مجرات بحجم قاعدة كرسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثار فضولي قبل أيام مرور كوكب الزهرة كحبة صغيرة على وجه قرص الشمس، البحث عن فيلم فيديو نشر على موقع اليو تيوب قبل عدة سنين يبين، بالتسلسل من الأصغر إلى الأكبر، حجم الأرض مقارنة بكوكب نيبتون الذي يكبره في الحجم، ثم هذا الأخير بحجم كوكب زحل وهذا بدوره بكوكب المشتري .

حيث يصبح كوكب الأرض مقارنة بالمشتري أشبه ما يكون بحبة عدس موضوعة إلى جانب بطيخة كبيرة.. وتتوالى الصور والمقارنات حتى يصبح المشتري بدوره بحجم حبة عدس موضوعة بجانب بطيخة وهنا تضيع الأرض حجما أمام عملاقنا نجم الشمس... غير أن الأمور لا تقف عند هذا الحد... حين يتحول نجم الشمس إلى ما يشبه حجم حبة عدس أمام حجم نجم عملاق يطلق عليه علماء الفلك أركتروس، وتصبح الأرض بمن فيها وما عليها أصغر بكثير من حبة رمل أمام جبل! وهكذا تكبر الأشياء ونصغر نحن، حتى نصل إلى حجم نجم أنتارس..

وتصبح الشمس أصغر من حبة رمل أمام عظمة جبل مقارنة بحجم هذا النجم.. ثم تضيع كل هذه الشموس والكواكب في جزء من مساحات المجرة التي نسبح فيها منذ مليارات السنين! أي أن الأرض تتحول فيحجمها إلى صغر كرية الدم الحمراء في جسد الإنسان.... وإذا ما عرفنا بأن حجم الكرة الحمراء تقل بـ 250.000 مرة عن حجم ذرة الرمل، لعرفنا كم أن حجم كوكب الأرض الواسع لا يذكر مقارنة بحجم مجرتنا دون الدخول في تفاصيل أرقام المجرات الأخرى التي تصبح فيها مجرتنا مجرد قطرة في محيط!!

هذه المعلومة الفلكية يجب تعليمها لصغارنا منذ نعومة أظافرهم. فمعظم البشر وخاصة العرب الذين برعوا في علم الفلك قبل قرون ما زالوا يجهلون مثل هذه الحقائق المحبطة. ورغم إشارة القرآن الكريم إلى حجم جهل الإنسان وتحذيره له من السقوط في شبك غرور الحياة الدنيا، إلا أنه ما زال متشبثا بأتفه المسائل التي لا يجني منها في النهاية شيئا وهو في حد ذاته .

وهم وغرور لا يمتد لأكثر من 15 سنة لو وضعنا في الاعتبار أن معدل العمر الافتراضي للإنسان هو 60 عاما، يقضي ثلثها نائما، أي في اللا حياة! بقي له منها 40 عاما صافية في الوعي، خمسة عشر منها يقضيها طفلا، لا يشعر فيها بقيمة الحياة الحقيقية إلا بعد البلوغ. أي بقي له من الحياة الحقيقية 25 عاما.

. وإذا خصمنا منها أيام المرض والإحباط والخوف والتعاسة والفشل والحزن والقلق وأيام رعب الاختبارات المدرسية والجامعية وحالات الإغماء وغيرها، فلا أعتقد أنه تبقى له من عمره شيء سوى الفضلات!! هذا حتى ولو تم تنصيبه ملك الأباطرة. فمجرد الخوف من المجهول أو أن يطاح به من قبل أحد أبنائه أو أخوته في اليوم التالي تجعله لا يغمض له جفن.

ولا تعتبر ساعات القلق هذه محسوبة من ساعات الشعور بالسعادة في الحياة! أما الآخرون ممن يسعون إلى بلوغ السعادة في الحياة من خلال جمع المال، وهم كثر، فلا أتعس منهم، فهم يقطعون ما تبقى لهم من العمر الحقيقي (بعد الحسومات التي أجريناها) في الجري خلف جمع المال دون التمتع به حقيقة. وكل المتع التي قد يحصل عليها سرعان ما تتلاشى كذرة ملح في مساحة الزمن. وعندما نتحدث عن مساحة الزمن فنحن نتحدث عن خيط من الضوء صادر عن أحد النجوم البعيدة عنا يقطع مليارات السنوات الضوئية (وليس الكيلومترات) حتى يصل إلينا.

نعود مرة أخرى للتذكير بحجم الإنسان ككتلة مقارنة بكتلة الأرض ثم بحجم كتلة الشموس ثم بحجم كتلة أكبر نجم في مجرتنا ثم على مستوى المجرات... حيث يصبح الإنسان هنا غير مرئي تماما... ثم نذكر بقصر عمره زمنا مقارنة بعمر المجرات والنجوم.. حيث يصبح عمره عدما مرة أخرى.

والأغرب من كل تلك الأرقام والمساحات المخيفة والأحجام الفلكية والأبعاد الزمنية الخيالية، ما زال الإنسان مصرا على قتل الملايين من أمثاله من البشر فقط من أجل الاحتفاظ بمساحة صغيرة جدا لا تتعدى قدما واحدة هو حجم قاعدة الكرسي!!!

 

Email