نحو تعزيز الشراكة الاقتصادية العربية الهندية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أجواء مفعمة بالمسؤولية والإدراك لعمق العلاقات التاريخية العربية الهندية وأهميتها المتعاظمة في حاضرنا، انعقد مؤتمر الشراكة العربي الهندي في العاصمة الإماراتية أبوظبي، في الفترة من 22-23 مايو 2012، تحت شعار "تعزيز التنمية من خلال التجارة والاستثمار".

إن التوقيت الصائب لهذا الحشد من الوزراء العرب والهنود ورجال الأعمال، الذين بلغوا حوالي 700 وفد في مقدمتهم معالي الشيخة لبنى القاسمي وزيرة التجارة الخارجية في دولة الإمارات، خاصة في ظل التطورات الاقتصادية الهامة في الوطن العربي والهند، والنهضة الكبيرة التي يشهدها الجانبان، والرغبة الصادقة في تنويع وتعميق صلاتهما التجارية.

ويتجلى الإدراك المشترك للوطن العربي والهند لما يمثلونه في الاقتصاد العالمي من وزن هام، من خلال ما انعكس في إعلان أبوظبي الذي أكد على دور رجال الأعمال العرب والهنود في التنمية لبلدانهم، والقناعة بتوسيع ذلك مستقبلا، إذ تمثل تجارة الدول العربية 20% من إجمالي تجارة الهند الدولية.

 وبلغ حجم التبادل التجارى بين العالم العربي والهند حتى نهاية العام الماضي 144 مليار دولار، لدول مجلس التعاون الخليجي النصيب الأوفر منها، وخاصة دولة الإمارات العربية المتحدة التي بلغ حجم تجارتها مع الهند 67 مليار دولار.

ولا تقتصر العلاقة الاقتصادية على مبيعات النفط والغاز العربي، وإنما تشمل قطاعات اقتصادية عديدة، تعبر من خلالها الدول العربية عن حرصها على تنوع التعاون الاقتصادي، وتأكد ذلك من خلال مداولات مؤتمر الشراكة العربي الهندي، الذي انعقد في الإمارات على مدى يومين، وكان هناك أكثر من 40 متحدثا رئيسيا من العرب والهنود، ناقشوا الزراعة والأمن الغذائي.

والمقاولات في البنية التحتية، والاستثمار في مجال التعليم والتأهيل على مستوى العلوم والتكنولوجيا، وكذلك دور الشركات الصغيرة والمتوسطة في التعاون التجاري العربي الهندي. وبالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة، اطلع المشاركون على تجربة دولة الإمارات الهامة في هذا المجال، حيث بلغ حجم هذه الشركات أكثر من 200 شركة تعمل في الدولة.

وشمل مؤتمر أبوظبي لقاءات بين رجال الأعمال العرب والهنود، تكللت بالاتفاق على عدد من الصفقات التجارية الجديدة. وأكدت مداولات وزراء التجارة العرب والهنود ورجال الأعمال، على أن المناخات مهيأة لدى الجانبين لازدهار التجارة والاستثمار، فلقد بلغت الاستثمارات في إطار الشراكة العربية الهندية 112 مليار دولار في مجال البنية التحتية، و12 مليار دولار في مجال المناطق الاقتصادية، و900 مليون دولار في الزراعة والتغذية، و700 مليون دولار في مجال العقار.

ويبقى النصيب الأكبر للشراكة في مجال الغاز والنفط، حيث من المتوقع أن تصبح الهند المستهلك الثالث عالميا للنفط عام 2030، وذلك يشكل أهمية للجانبين، كون الوطن العربى يسيطر على أكثر من 60% من النفط و 30% من الغاز المنتج عالميا.

كما أن الهند تقدر حاجتها للاستثمار بحوالي تريليون دولار، في مجال تطوير البنية التحتية على مدى العقد القادم، مما يوفر فرصة للراغبين في الدخول إلى السوق الهندية التي تفتح أبوابها لشراكة القطاع الخاص الهندي، بما في ذلك أمام المستثمرين العرب.

إن المعطيات الاقتصادية المشار إليها آنفا، يمكن ان تسندها معطيات سياسية لتطوير العلاقات العربية الهندية، خاصة في ظل أن الهند لها علاقات مع كافة الأطراف المعنية بقضية الشرق الأوسط، مما يوفر لها الفرصة للمساهمة بدور أكبر في إحلال السلام الدائم والعادل في المنطقة، وإنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية المحتلة، وإحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفق الشرعية الدولية التي تواصل الهند باستمرار تأكيد مواقفها المبدئية الواضحة والثابتة بشأنها.

ولعل أحد أهم المؤشرات على العلاقات الوثيقة بين الهند والعالم العربي، وخاصة مع دول الخليج العربي، هي أن حوالي 6 ملايين هندي يتواجدون فيها، وتبلغ تحويلاتهم إلى الهند حوالي 30 مليار دولار سنويا، مما يشكل أكثر من نصف تحويلات المغتربين الهنود عالميا.

إن نجاح مؤتمر الشراكة العربي الهندي الذي انعقد مؤخرا في دولة الإمارات، يأتي استنادا إلى علاقات تاريخية عربية هندية لقرون مضت، كما أن هذه العلاقات ازدهرت بعد نيل العديد من الدول العربية والهند استقلالها الوطني في منتصف القرن الماضي. وعلى أساس ذلك أنشأت البلدان العربية من خلال الجامعة العربية بالاتفاق مع الحكومة الهندية، منتدى التعاون العربي الهندي.

والذي يشمل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومؤتمر الشراكة الذي انعقد في أبوظبي أواخر مايو 2012 هو النسخة الثالثة، إذ انعقد المؤتمر الأول في 2008 والثاني في 2010 في الهند.

ونخلص إلى أن التعاون العربي الهندي يمضي قدما ويمكن أن يحقق الكثير على أساس المصالح المشتركة، وأن الشراكة العربية الهندية هى انتصار للجانبين وبما يخدم ازدهارهما. وذلك ما أكده سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات، خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده سموه مع نظيره الهندي "س. م. كريشنا"، في أعقاب اللقاء الذي جمعهما في العاصمة الهندية مؤخرا، عشية مؤتمر الشراكة العربي الهندي في أبوظبي.

 

Email