العرب والصين.. والمتغيرات العالمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يفيد أحدث تنبؤ اقتصادي غربي، بأن الصين سوف تلحق اقتصادياً بالولايات المتحدة وتتجاوزها في عام 2018م. وفي هذا السياق يقول البروفيسور مارتن جاك، الخبير البريطاني في الشأن الصيني، إن العالم يشهد الآن أكبر تغيير منذ قرنين، يتمثل أكثر ما يتمثل في حالة التدهور الغربي التي كشفتها الأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها والتي بدأت في عام 2008، جنباً إلى جنب مع الصعود الدراماتيكي الاقتصادي للصين.

هل للحديث مناسبة خاصة؟ نعم.. والمناسبة هي انعقاد مؤتمر وزاري عربي في تونس قبل نحو أسبوعين، تحت شعار "تعميق التعاون الاستراتيجي" وتدعيم التنمية المشتركة جماعياً بين الدول العربية والصين.

البروفيسور جاك يشرح عملية الصعود الاقتصادي الصيني، من خلال مشهدين أفرزتهما الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية: مشهد الركود وإجراءات التقشف الشامل في أوروبا والولايات المتحدة.. والمشهد النقيض تماماً في الصين. فالصين تركب موجة من التقدم الاقتصادي المتسارع، تعكسه نتائج مسح عالمي أجراه معهد بيو الأميركي ويفيد بأن 91% من الصينيين يستشعرون بالرضى تجاه الاقتصاد الوطني.

بالمقارنة مع 24% في الولايات المتحدة و20% في بريطانيا. وبينما تقلصت الاقتصادات العربية عما كانت عليه قبل حلول الأزمة العالمية، فإن الاقتصاد الصيني ظل يتنامى بنسبة 9 إلى 10%. وهذا ما يثبت التحاق الصين بالولايات المتحدة خلال بضع سنين.

صفوة القول إن الصين باتت مرشحة لأن تصير قريباً، القوة الاقتصادية الأولى في العالم، وبالتالي القوة السياسية. وإذن، فإن السؤال الكبير الذي ينبغي أن يطرح على المستوى العربي هو: هل يستثمر العرب هذه الفرصة التاريخية العظمى من إقامة شراكة استراتيجية حقيقية مع الصين منذ الآن؟

للإجابة عن هذا السؤال جانبان: أولاً تحالف اقتصادي قائم على المصالح العليا المشتركة، ويتزامن مع ذلك وقوف عربي عن كثب على تجربة النجاح الاقتصادي التي تقلب الصين خلال ثلاثة عقود زمنية فقط، من مجتمع متخلف إلى قوة اقتصادية فريدة على المستوى العالمي. وثانياً، أن تشتمل الشراكة الاستراتيجية على تحالف سياسي في مواجهة الهيمنة الأميركية العالمية، خاصة في منطقة صراع الشرق الأوسط من ناحية، ومنطقة شرق آسيا من ناحية أخرى.

قبل ثماني سنوات قام الجانبان العربي والصيني بتأسيس ما أطلق عليه "منتدى التعاون العربي ـ الصيني". كان ذلك خلال زيارة رسمية للرئيس الصيني "هو جين تاو" إلى مقر الجامعة العربية في القاهرة، حيث التقى مع الأمين للجامعة. والاجتماع الوزاري العربي الذي عقد قبل نحو أسبوعين في تونس، هو أحد سلسلة اجتماعات على مستوى وزراء الخارجية تعقد دورياً تحت اسم المنتدى.

إذن، يبدو ظاهرياً أن العرب حريصون على إقامة شراكة اقتصادية ـ سياسية مع الصين، لكن هل يتطابق القول مع الفعل على الصعيد الواقعي؟

في سلسلة الاجتماعات الوزارية الدورية، تجرى مناقشات متصلة حول "سبل تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي وتبادل الآراء حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك".

وفي اجتماع تونس كما في سلسلة الاجتماعات الدورية السابقة، تمحورت المناقشات حول "ثلاثة أهداف رئيسية" هي: بحث السبل والإجراءات الكفيلة بتعميق علاقات التعاون الاستراتيجي.. وتطوير آليات المنتدى.. وتحديد المجالات ذات الأولوية.

إنها كلمات قوية ومنمقة ومرتبة، ولكن على مدى السنوات الثماني منذ إنشاء المنتدى، لم ينجز أي شيء يمكن أن يوصف بأنه تحول استراتيجي. فالمبادرات ذات الطابع الاستراتيجي التي تقدمت بها بيكين لا تلقى تجاوباً جاداً من الطرف الآخر، لأن العالم العربي لم يتحرر بعد بالكامل من أسر الهيمنة الأميركية، رغم المتغيرات المصيرية التي تنتظم عالم اليوم.

هذه التحولات أدركت مغزاها دول مثل تركيا والهند والبرازيل وفنزويلا، كانت حتى وقت قريب خاضعة تماماً للأجندة الدولية الأميركية، لكنها انطلقت مؤخراً في حركة استقلالية صوب الصين الجديدة، على أساس مبدأ المصالحة المشتركة.

فمتى يتحرر العالم العربي؟

 

Email