أوروبا تحتاج إلى طوق نجاة

ت + ت - الحجم الطبيعي

انعقدت قمة دولية أخرى واختتمت، من دون أي من الأعمال التنسيقية التي تعد شيئاً مهماً إذا أريد للاقتصاد الأوروبي المريض أن ينتعش. وفي مواجهة أزمة اقتصادية تتطلب قراراً بتدخل يوازي أزمة عام 2008، اتسم البيان الختامي لمجموعة الدول الثماني مؤخراً، بالإسهاب في الكلمات والتقصير من حيث العمل.

 فلم تكن هناك تدابير ملموسة، كان أقلها خطة لدعم مناشدات الجمهور من أجل النمو. وفي حين أن الاجتماع المقبل لمجموعة الدول العشرين، المقرر في المكسيك في يونيو المقبل، يمكن أن يوفر فرصة ثانية للتحرك المنسق، فلا يوجد أي دليل على وجود تخطيط مسبق لمثل هذه المبادرة.

هذا الفشل الذي مني به اجتماع دولي آخر، يعود في الأساس إلى خطأ قاتل في التشخيص. ومنذ البداية، شدّد زعماء أوروبا على أننا نواجه أزمة دين عام، وأن حلها يكمن في التقشف، وأنه إذا كان هذا الحل غير مجدٍ فذلك لأننا لم نحقق ما يكفي من التقشف.

لكن المشكلة التي تواجهها أوروبا، ليست مجرد مشكلة ذات بعد واحد كما يصفونها. تواجه أوروبا أيضاً أزمة في أصول قطاعها المصرفي، وأزمة أخرى في فشل النمو الاقتصادي والقدرة على المنافسة التي تؤثر في كل بلد في القارة، باستثناء وحيد هو ألمانيا.

استعداد أوروبا لخداع نفسها كان واضحاً منذ أربع سنوات، عندما أقنع القادة الأوروبيون أنفسهم، مع بداية الأزمة المالية العالمية، بأن النظام المالي كان سليماً في الأساس، وكانت أوروبا ضحية سيئة الحظ للحماقة الأنجلوساكسونية.

في الاجتماع الأول لقادة منطقة اليورو الذي انعقد في أكتوبر 2008، أكدوا أن البنوك الأوروبية كانت الأخطر إفراطاً في الاستدانة من اقتصاد الولايات المتحدة، والأكثر اعتماداً بصورة مفرطة على التمويل قصير المدى من السوق، وقوبل وابل الرهون العقارية عالية المخاطر التي تم شراؤها من الولايات المتحدة، بتشكك وارتياب.

ونظراً لأن أوروبا اتخذت جزءاً محدوداً بمقدار الثمن مما اتخذته الولايات المتحدة لإعادة رسملة الأصول المعدومة وشطبها، فإن بنوكها لا تزال متضررة حتى اليوم بسبب المستويات العالية من الديون (فلا تزال مستويات الاستدانة في البنوك الألمانية بمقدار 32 ضعف حجمها، والبنوك الفرنسية بمقدار 26 ضعفاً).

وتحتاج البنوك في إسبانيا الآن إلى ما يزيد على 100 مليار يورو في عملية إعادة الرسملة، قبل أن نتعامل مع ضغوط مماثلة على البنوك في إيطاليا وحتى في فرنسا. ومع عدم قدرة البنوك في الوقت الحالي على توفير ضمانات جيدة لقروضها، فإن خطة الإنقاذ الأساسية خلال عام 2012، وهي تريليون يورو في شكل دعم من البنك المركزي الأوروبي، ربما تمنى بالفشل قريباً.

نشهد كل يوم حالة تنصل من المسؤولية، أبرزها الفشل في إضفاء فعالية على خطة تحقيق النمو لحماية أوروبا، التي تعاني بالفعل من حالة ركود ثانية، مما يمكن أن يكون عقداً من الركود.

وقد يبدو غريباً أن ثاني أغنى قارة في العالم، تحتاج الآن إلى الدعم العالمي لانتشال نفسها من الهوة الاقتصادية. لكننا نعرف أن المستهلكين الأوروبيين اليوم خائفون للغاية من الإنفاق، وأن الاستثمار الأوروبي يتراجع، في حين تخفض البنوك اعتمادها على الدين بمعدل أسرع من أي وقت مضى في التاريخ الحديث.

والأسوأ من ذلك، أن أعضاء منطقة اليورو لم يعد بوسعهم الاعتماد على إجراءات ما قبل اليورو لتعزيز اقتصاداتهم الوطنية، مثل عمليات ضبط العملة وزيادة المعروض من النقد وخفض أسعار الفائدة لتشجيع النمو.

والحقيقة غير المستساغة، هي أن الدول الأوروبية لم تعد قادرة على إنقاذ نفسها من الركود دون دعم دولي. فما كان ينبغي أن يحدث في قمة مجموعة الثماني، وما يجب أن يحدث في اجتماع مجموعة العشرين المقبل، هو عبارة عن استجابة عالمية منسقة، من شأنها أن تساعد أوروبا على التعامل بحزم مع عنصرين من الأزمة يجري تجاهلهما.

العنصر الأول، أنه في حين تتم إعادة هيكلة بنوك أوروبا، يتعين على العالم دعم الاقتصاد الأوروبي بتقديم مساعدة بجدار حماية قوي بما يكفي لمنح المناعة لإسبانيا وإيطاليا ودول أخرى.

والعنصر الثاني، هو إضفاء الثقل على مبادرة النمو الأوروبية، إذ تحتاج مجموعة العشرين للعودة إلى اتفاق النمو العالمي الذي تمت الموافقة عليه لأول مرة في لندن وبيتسبرغ في عام 2009.

قبل عشر سنوات كان يمكن للمستهلك الغربي أن يدفع الاقتصاد العالمي إلى الأمام، وبعد مرور عشر سنوات من الآن، سوف يصبح المستهلك الآسيوي دافعاً للنمو. ينبغي أن تخطط مجموعة العشرين لرفع معدل النمو العالمي الكلي، من خلال التعجيل بفتح الأسواق الآسيوية وأسواق جنوب أميركا.

كما يتعين عليها أن تسعى للحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي، للتفاوض على اتفاق تشكّل بموجبه الصين الطلب العالمي من خلال مزيد من الإنفاق الاستهلاكي، وتزيد الهند من فتح أسواقها أمام الواردات. وفي المقابل، يتعين على أميركا وأوروبا تسريع الاستثمارات الرأسمالية في البنية التحتية، الأمر الذي من شأنه طمأنة آسيا بشأن التزام الغرب بالنمو.

سوف يستفيد العالم كله، وسنكون قد ساعدنا على انتشال أوروبا من حافة الهاوية. البديل لذلك، هو عقد ضائع من البطالة والركود في أوروبا، يمكن تجنبه ويتعين ذلك.

 

Email