فرانسوا هولاند وسرير نابليون

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل اعتقدتم بأن الانتخابات الفرنسية انتهت؟ في فرنسا لا شيء ينتهي حتى يبدأ من جديد. فلا يعتقد أحد أن الخمس سنوات القادمة وهي مدة ولاية فرانسوا هولاند تشبه مياه أحواض السباحة في صفائها وهدوئها وضحالتها.

ومسكين رئيس جمهورية فرنسا! فقلق ما قبل الانتخابات والخوف من مفاجآت صناديق الاقتراع، لم ينته لسوء حظه مع دخوله قصر الأليزية الفخم الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1720م، أي إلى ما يقارب الـ 300 سنة مضت، والذي أصبح منذ 1848م أي منذ زمن الجمهورية الثانية، مقر رئاسة وسكن رئيس الجمهورية الفرنسية وأسرته.

صحيح أن كل الفرنسيين وبالذات النساء منهم يحلمون بالإقامة في هذا القصر التاريخي ولو حتى المبيت فيه لليلة واحدة بل حتى مجرد دخوله، إلا أن ما بين أسواره تطبخ سياسة فرنسا وفيه تبدأ التحديات الداخلية والخارجية.

أي أن الرئيس لن يستمتع بهذا القصر المنيف الذي بات فيه في ليلة من ليالي الماضي الدفين الامبراطور نابليون الثالث، وأنه سوف يستيقظ في اليوم التالي على طاولة مذهبة في مكتب مذهب يشبه التحفة النادرة وعليه مجموعة من المراسيم والقرارات والسياسات والخطوط العامة والعريضة للسياسة المقبلة للجمهورية الفرنسية.

إن هذا القلق الرئاسي سوف يحول هالة وروعة الهندسة والديكور في مكتب الرئيس الفرنسي إلى ما يشبه الجحيم! فأي جرة قلم واحدة غير مدروسة من الرئيس سوف يقلب فرنسا والشعب الفرنسي رأسا على عقب وربما أدخلها في دوامة من الصراع لا أول لها ولا آخر.

وفرنسا عالميا ودوليا ليست تلك الدولة البسيطة كما هو الحال في بعض بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا، حيث يعمر الرئيس قرونا من الزمن دون أن يفكر أحد في مساءلته ناهيك عن زحزحته. فأحلام الرئيس قبل الانتخابات تتحول إلى كوابيس بعدها، وقصر الأليزيه يتحول بين ليلة وضحاها إلى شبه سجن الباستيل.

وهل تعتقدون بأن المعارضة اليمينية التي خسرت الرهان وعلى رأسها السياسي النشط جان فرانسو كوبيه الذي يعد واحدا من أذكى يهود فرنسا السياسيين والذي قاد حملة ساركوزي، سوف تتيح الفرصة للرئيس الجديد بالاستمتاع بقهوته على أرائك المخمل الأزرق في الصالة التي يطلق عليها البمبادور؟ فها هي المعارضة وفي اليوم التالي لنتائج الانتخابات المؤلمة التي صدمتها تعد عدتها وتجهز ركاب خيولها وتشهر سيوفها استعدادا للانتخابات التشريعية القادمة التي تقع على مرمى حجر، وتحديدا في السابع عشر من شهر يونيو المقبل أي في غضون 3 أسابيع فقط.

وعندما نتحدث عن كسب أو خسارة الانتخابات التشريعية فهذا يعني كسب أو خسارة زمام القيادة الحقيقة لحكومة فرنسا. ففي الجمعية الوطنية تتخذ القرارات المصيرية لفرنسا في كافة مجالات الحياة التربوية والصحية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.

فإذا ما قلبت المعارضة بقيادة حزب ساركوزي المعادلة وحازت على العدد الأكبر من المقاعد في الجمعية الوطنية القادمة، فمن المؤكد أن أحلام هولاند القصيرة ستذهب أدراج الرياح، وسوف يضع اليمين العصا في دواليب عربة اليسار.

ولن يتبقى من الرئيس سوى صورة الرئيس الذي لا يملك غير سلطة التوقيع على المراسيم، وسوف تسقط حكومة اليسار التي لم تصدق أنها تنفست الهواء بعد 17 عاماً من حكم اليمين. وبالتالي، سوف يعود الحكم يمينيا والرئيس يساريا كما حصل في عهد فرانسوا ميتراند ومن ثم تكررت الظاهرة عكسيا في عهد جاك شيراك.

حزب اليسار رغم الانتصار الأخير ما زال غير مطمئن من تقلب مزاجية الشعب الفرنسي، وأي خطأ غير مقصود قد يؤدي إلى نتائج وخيمة. وحزب اليمين بدى وكأنه بعد هزيمة ساركوزي أصبح أكثر تصميما على استعادة النقاط التي خسرها. فالعديد من مستشاري الرئيس ساركوزي يلقون باللوم عليه لعدم أخذ تحذيراتهم المتكررة محمل الجد.

هذه الايام تبدو الساحة السياسية الفرنسية مكملة لمعاركها السابقة، والانتخابات التشريعية قاب قوسين أو أدنى، والرئيس الفرنسي الجديد ما زال غير متلذذ منذ دخوله قصر الأليزيه بسرير النوم الأسطوري الذي نام عليه قبله 23 رئيس جمهورية!

 

Email