مسيرة النضال الفلسطيني.. إعادة قراءة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أيليق بعد 64 عاماً من النكبة، أن يظل النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني موضع تساؤل؟

المسيرة النضالية الفلسطينية انطلقت في وقت متأخر. فقد مضت سنوات طوال بعد مأساة النكبة في عام 1948، قبل إنشاء «منظمة التحرير الفلسطينية» بزعامة ياسر عرفات. رغم ذلك فإن هذا التأخر ليس في ذاته عيباً جوهرياً، فأن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أصلاً.

ما يعيب المنظمة حقاً، هو أنه لمدى عشرات السنين منذ إنشائها وحتى اليوم، ظلت تتفادى العمل النضالي المسلح داخل الأرض الفلسطينية، حيث إن نشاطها وعملها التنظيمي بقي محصوراً في الخارج.

ولا ينبغي أن تكون هذه الحقيقة مثار استغراب، ذلك أن نواة المنظمة ولدت في الخارج. النواة التي تمثلت في فصيل «فتح»، شكلت في أواخر عقد الخمسينات من القرن الماضي في الكويت. ورويداً جرى تشكيل فصائل أخرى، مما مهد لإقامة تشكيل تنظيمي مظلي باسم «منظمة التحرير الفلسطينية». هكذا صارت المقار التنظيمية للمنظمة بهيئاتها القيادية وكوادرها السياسية والقتالية، في بلدان عربية.

بأي معيار نضالي، كان هذا وضعاً شاذاَ نتجت عنه سلبيات ألحقت أضراراً بالغة بالحركة الوطنية الفلسطينية. ومن أبرز هذه السلبيات، احتكاك قيادة المنظمة بأنظمة حاكمة عربية، منشؤه تدخل المنظمة في الشأن الداخلي لدولة عربية ما، أو تدخل النظام الحاكم في خصوصيات المنظمة.

وهكذا تبلورت خصومات سياسية وأمنية بين المنظمة وحكومات عربية، تحولت في بعض الحالات إلى صدامات دموية. ثم إن المنظمة الفلسطينية وجدت نفسها طرفاً في الصراعات الإقليمية بين الأنظمة الحاكمة العربية، بسبب محاولة نظام ما استغلال المنظمة ضد نظام آخر.

كل هذه التطورات السلبية كانت حتمية الوقوع، كنتيجة طبيعية لأخذ المنظمة الفلسطينية بخيار العمل الخارجي، على حساب خيار العمل التنظيمي المسلح داخل الأرض الفلسطينية. وكان حتمياً أيضاً والحال كذلك، أن تبقى المنظمة كياناً بيروقراطياً تقتصر مهامه اليومية على ممارسة العمل الدبلوماسي والإعلامي، رغم أن قيادة المنظمة احتفظت بميثاق الكفاح المسلح كمرجعية نظرية لتحرير الأرض.

لكن علينا في هذا المنعطف، أن نستذكر أن المنظمة الفلسطينية كانت تعتمد في بقائها حية، على أموال الدول العربية الغنية. وانكشف حال المنظمة في مطلع عقد التسعينيت، عندما أوقفت هذه الدول مساعداتها بسبب تأييد المنظمة الاجتياح العراقي للكويت.

ومعنى «انكشاف الحال» في هذا السياق، هو أن قيادة المنظمة دخلت في عملية التفاوض السري في أوسلو، وهي جاهزة لقبول «السلام» مع إسرائيل بالشروط الإسرائيلية. في مقدمة هذه الشروط، أن ينبذ الفلسطينيون فوراً وإلى الأبد، نهج الكفاح المسلح. وبالفعل ألغت منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات، ميثاق الكفاح المسلح بصورة رسمية وعلنية، على أمل أن يوافق الجانب الإسرائيلي في المقابل على رد الأرض الفلسطينية المحتلة إلى أصحابها الفلسطينيين.. فماذا جرى؟

الآن بعد 64 عاماً من النكبة و19 عاماً من أوسلو، تحولت منظمة التحرير الفلسطينية إلى «سلطة وطنية» بالمفهوم الإسرائيلي، كجهاز أمني لقمع وقهر أي فلسطيني يرفع صوته مطالباً بتحرير الأرض، بينما في هذه الأثناء تواصل إسرائيل، ليس فقط تكريس الحالة الاحتلالية، وإنما أيضاً تهويد الأرض الفلسطينية عن طريق التوسع في العمليات الاستيطانية، لتكون الضفة أرضا توراتية خاضعة تماماً للسيادة الإسرائيلية.

كيف إذن يتم تحرير الأرض؟ وهل من سبيل غير الكفاح المسلح، لـ«فرملة» التوسع الاستيطاني قبل فوات الأوان؟ رئاسة السلطة الفلسطينية لا تكف عن إبلاغ العالم أن التفاوض السلمي مع الجانب الإسرائيلي هو خيارها الاستراتيجي الأوحد.. وأنه بالتالي لا بديل عن التفاوض سوى التفاوض.

هل من مَخرج إذن؟

هذا التساؤل لا ينبغي أن يكون موجها إلى قيادة السلطة الفلسطينية، ذلك أن موقفها واضح بما يكفي. إنه موجه إلى الشعب الفلسطيني بكل فئاته.

والمغزى الخطير وراء هذا التساؤل، هو أن المصير الفلسطيني النهائي بحسابات الحياة أو الموت، بات في سباق محموم مع الزمن، فالتهويد الإسرائيلي للأرض الفلسطينية يتعاظم يوماً بعد يوم.

 

Email