راتبك كم يا سعادة الوزير؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ثم هل تقبل سعادة الوزير أن يتم تخفيض راتبك بنسبة %30؟ الإجابة بالطبع: كلا! طيب، %20؟ أيضا لا!! خليها يا أخي %10؟ بالتأكيد لن تقبل! فلا يحسد راتب الوزير غير الفقراء. والكل يريد أن يصبح وزيرا طمعا في راتبه. وفي الواقع ليس لدي رقم محدد وواضح لراتب أي وزير من وزرائنا ولا أجرؤ على طلب معلومة كهذه من أحدهم خوفا من الرد السلبي:

(وأنته شو دخلك كم أقبض؟) ثم أنني لن أحسد الوزير على راتبه كما لا أحسده على منصبه في يوم من الأيام، لأنه مهما بلغ راتبه وبلغت مكانته الاجتماعية فإن شيئا لن يعوضه عن جزء من الوقت الذي يقضيه والجهد الذي يبذله طوال يومه على مدى 7 أيام في الأسبوع بين الاجتماعات والقرارات والمتابعات ومشاكل المراجعين الذين لا تحل مشاكلهم إلا برؤيته.

وملاحقة وسائل الإعلام والرد على الشكاوى والقيام شخصيا بقص الشريط وبالزيارات الميدانية داخل الدولة شرقا وغربا والسفرات والمهمات والاجتماعات واللقاءات الرسمية المتكررة التي يجب حضورها خارج الدولة والتي قد يمتد زمن الرحلة الواحدة إلى أكثر من 16 ساعة طيران متواصلة، ووجوب حضور المناسبات المختلفة من أفراح وأتراح هذا عن حضور حفلات الاستقبال التي تقام هنا وهناك وحالة القلق الدائم التي تلازم الوزير من يوم تعيينه خوفا من أي مساءلة توجه إليه من قبل رئيس الدولة أو رئيس مجلس الوزراء أو المجلس الوطني أو عامة الشعب أو برامج البث المباشر.

وبالتوالي ابتداء من صباح الله خير في نور دبي الساعة السابعة صباحا إلى برنامج بو راشد في إذاعة عجمان حتى الواحدة ظهرا ثم إذاعة الشارقة وغيرها.. ولا نخجل أن نضيف نوعا من القلق الذي يلازم الوزير من عدم التجديد له في الحكومة القادمة أو إقالته قبل نهاية ولايته وسماع الإشاعات من هنا وهناك، ناهيك عن مشاغله كأب ورب أسرة التي نادراً ما يلتقي بها في زحمة أعماله.

وإذا ما تخيلنا أن هذه الحالة التي تمتد طوال 18 ساعة يوميا بمعدل 7 أيام في الأسبوع (دون وجود راحة ليوم الجمعة)، في 30 يوما في الشهر في 365 يوما في السنة والواحدة مضروبة في عدة سنوات متتالية حتى يتم نقله إلى وزارة أخرى أو إقالته أو استقالته أو الله أعلم.. لاقتنعنا أو قنعنا بأن راتب الفقير في النهاية أعلى من راتب الوزير! فأي امتياز مادي يحصل عليه الوزير ما هو إلا قطرة واحدة من عرقه طوال مدة خدمته كوزير.

والذين يدعون بأن وزراءنا أو وزراء العالم مبسوطون جدا فهم واهمون. إن المسؤولية التي يحملها الوزير هي مسؤولية مؤسسة كاملة شاملة بمن فيها الوكيل والوكلاء المساعدون والمدراء حتى آخر درجة وظيفية فيها وتمتد إلى الأبنية والكراسي والطاولات. ثم تنتقل مسؤوليته خارج ديوان الوزارة، على كافة المؤسسات المرتبطة بها بمن فيها من موظفين. وربما تكون وزارات التربية والصحة والأشغال نموذجا واضحا لذلك.

إنها دوامة من العمل الحلزوني التي لا تنتهي حتى تبدأ تلتف من جديد نحو ما لا نهاية. وربما نسي البعض ــ بمن فيهم الوزير نفسه في خضم أعماله ــ أنه دفع راحة باله وصحته وشمل عائلته مقابل أجر مادي كان بإمكانه أن يوفره بطريقة أخرى أو أن يستغني عنه مقابل دقيقة من التفكير مع نفسه.

أما مسألة أن الوزير الفلاني والوزير العلاني لم يقدم شيئا لوزارته، أو لم يطور أو لم يحل مشكلات العالم، فهذه مسألة أخرى، يحاسب هو نفسه عليها قبل ديوان المحاسبة. ولا أتصور أن هناك وزيرا، أياً كان، ينام ملء جفنيه غافلا عن قضايا وزارته حتى ولو ظل جالسا في منزله.

خبر فرنسي حقيقي وليس ضربا من الخيال: قرر فرانسوا هولاند تخفيض راتبه وراتب رئيس الوزراء ورواتب الوزراء في الحكومة الجدية بنسبة 30%!!

 

Email