الحكومة الإسرائيلية.. حكومة حرب بامتياز

ت + ت - الحجم الطبيعي

تقتضي وجاهة السؤال عن طبيعة ودوافع وأهداف تشكيل حكومة وحدة وطنية موسعة في إسرائيل، أن نلاحظ التزامن بين إعلان هذه الحكومة، وخطاب حسن نصر الله أمين عام حزب الله، هذا من ناحية، والخطاب الذي أرسله نتانياهو مع مستشاره اسحق مولخو، للرئيس محمود عباس رداً على رسالته التي حملها رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية قبل أكثر من شهر.

فجأة وبدون مقدمات، وفيما كان بنيامين نتانياهو رئيس حزب الليكود ورئيس الحكومة الإسرائيلية، يعد العدة، للذهاب نحو انتخابات عامة مبكرة، جاء الإعلان عن انضمام حزب كاديما المعارض بقيادة الجنرال وزير الدفاع الأسبق شاؤول موفاز.

كان نتانياهو يسعى وراء إعادة صياغة الخارطة السياسية في إسرائيل بما يضمن تفوق حزبه، لكي يتمكن من تشكيل حكومة، لا تخضع لابتزاز الأحزاب الأخرى، مثل حزب إسرائيل بيتنا بقيادة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، لكن انضمام كاديما الذي يحوز على ثمانية وعشرين مقعداً في الكنيست، قد وفر له مثل هذا الهدف وأكثر، إذ تتوفر له فرصة المناورة بين الكتل النيابية المشتركة في الحكومة، فضلاً عن أن تشكيل حكومة تحظى بتأييد أربعة وتسعين عضو كنيست، هي حكومة قوية، من شأنها أن تتوج نتانياهو، كأحد أبرز الزعماء التاريخيين في إسرائيل.

حكومات الوحدة الوطنية في تاريخ إسرائيل، هي في معظم الأحيان إن لم يكن جميعها، حكومات طوارئ، وهي بالتالي حكومات حرب، وليست حكومات سلام، كما يحلو للبعض الادعاء. ثمة احتمالين لا ثالث لهما أمام هذه الحكومة، فهي إما أن تكون الحكومة القوية، حكومة شبه الإجماع القادرة على اتخاذ قرار استراتيجي لتحقيق السلام، الذي لم تقو على اتخاذه حكومات غير مستقرة، أو حكومات تواجه معارضة قوية، وإما أن هذه الحكومة، هي الحكومة القادرة على تحقيق إجماع إسرائيلي مطلوب لخوض حروب ذات أبعاد استراتيجية.

الاحتمال الأول تنسفه من جذوره، السياسات والممارسات الإسرائيلية الجارية بالملموس على أرض الواقع، عبر الاستيطان وتهويد القدس ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري، وعبر استمرار الممارسات القهرية بحق الفلسطينيين، كما تنسفه مضامين الرسالة التي بعثها نتانياهو للرئيس محمود عباس، والتي تعترف الصحافة الإسرائيلية على أنها لا تتضمن جديداً.

إن كان الأمر كذلك فقديم إسرائيل الذي أكد عليه نتانياهو في رسالته يذهب، عدا عن السياسات التي أشرنا إليها آنفا، إلى رفض البحث في ملف اللاجئين، وفي ملف القدس، وإلى رفض العودة عن الحدود التي كانت قائمة قبل حرب يونيو 1967، وكل هذا يعني رفض أي عملية سلام تلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.

غير أنه رغم وضوح هذه السياسات الإسرائيلية النظرية والعملية، إلا أن نتانياهو يرفض الاعتراف بفشل العملية السياسية، ويحمل الفلسطينيين المسؤولية عن تعطيل المفاوضات بدعوى تمسكهم بشروط مسبقة. وفي الواقع فإن نتانياهو يحاول استهلاك المزيد من الوقت حتى لا يبادر الفلسطينيون إلى اتخاذ قرارات.

وخيارات، من النوع الذي يثير غضب إسرائيل ويحرج الإدارة الأميركية التي تسعى بكل السبل، لتجميد الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن الحدود التي تقف عندها، حتى لا تتعكر أجواء الانتخابات الرئاسية التي ستجري قبل نهاية هذا العام.

ومع الأسف، فقد جاء رد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية على الرسالة الإسرائيلية متناقضاً مع التصريحات التي سبقت الرسالة، وأطلقها قياديون اعتبرت أن الردود تفتقر إلى الوضوح، الأمر الذي يعني أن التنفيذية تتجاهل السياسات الممارسة على أرض الواقع. وتقتصر قراءتها للرد الإسرائيلي على اللغة، والعبارات، التي تنطوي على غموض مقصود، ومرة أخرى لتهريب الوقت، وتضليل الرأي العام العالمي.

إذا كان احتمال السلام مستبعداً عن جدول أعمال حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل، فإن الاحتمال الآخر، الوارد هو احتمال أن تقوم إسرائيل بشن حرب، هدفها إيران، وفي الطريق إليها غزة، وجنوب لبنان. لابد من ملاحظة التزامن أيضاً بين تشكيل هذه الحكومة، والتغييرات التي تقع في صفوف الجيش الإسرائيلي، وأبرزها على سبيل المثال، القرار الذي تم اتخاذه في الثالث من مايو الجاري، باستدعاء عاجل لست فرق من الاحتياط، واستدعاء ست عشرة فرقة أخرى خلال فترة قصيرة.

في الوقائع المعنية على الأرض لا توجد مؤشرات فلسطينية وفي المحيط القريب ما يستدعي تجنيد اثنين وعشرين فرقة، اللهم إلا إذ كانت إسرائيل ستبادر إلى توظيف هذا الحشد العسكري في اتجاه درء مخاطر تعتبرها خطراً استراتيجياً محتملاً.

 

Email