هل من انتفاضة ثالثة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

على نحو فجائي - كما يبدو - تداعت قيادات اليمين الإسرائيلي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، فهل هو حقاً تطور فجائي ذو طبيعة وقتية عابرة أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ دون تمهيد، أعلن كل من بنيامين

نتانياهو زعيم حزب الليكود الحاكم وشاؤول موفاز زعيم حزب كاديما المعارض (وكلا الحزبين يمثلان اليمين الإسرائيلي)، أنهما توصلا إلى اتفاق لتشكيل حكومة وحدة وطنية. من الوهلة الأولى بدا الأمر وكأنه وليد لحظة من قبيل المناورات الحزبية، لكن سرعان ما تكشف أن الاتفاق ثمرة عملية تفاوضية سرية على مدى طويل. والسؤال إذن هو: ما الأمر المصيري الجلل الذي دفع هذين القائدين الاسرائيليين إلى استنفار مشاعر الوحدة الوطنية وضم الصفوف؟

نستطيع العثور على الإجابة بالتوقف عند تقرير إسرائيلي رسمي ذي طبيعة تحذيرية، قدم مؤخراً إلى الحكومة الإسرائيلية. التقرير يحذر من احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة خلال العام الجاري، "في إطار احتجاجات شعبية متأثرة بموجة الثورات التي يشهدها العالم العربي".

ويكتسب التقرير خطورة من وجهين: أولاً، أنه صادر عن هيئة رسمية هي مركز الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية.. وثانياً، أنه يتوافق زمنياً مع الدعوة السياسية الحزبية إلى استنفار الوحدة الوطنية.

وربما يكون لمضمون التقرير عنصر إضافي من خطورة محتواه، إذا أخذنا في الاعتبار أن التوقع المحتمل لانطلاقة الانتفاضة الفلسطينية التي يتنبأ بحدوثها لن يتجاوز ما تبقى من عام 2012 الجاري، على خلفية المناخ الراديكالي الناشئ عن التيار الثوري في العالم العربي.

لكن، أليس من المناسب أن نستذكر في هذا السياق أولاً، أن هذا التقرير الإسرائيلي التحذيري يصدر في ظرف يتميز بفتور عام في ثورات الربيع العربي وما تولد عن ذلك من خمود في الشارع العربي، بما يفيد بأن هذه الثورات صارت في حالة عد تنازلي، وأن الفوران الشعبي ينهزم أمام قوى الثورة المضادة؟ لعل أبرز مثالين، هما مصر وتونس. في مصر تحول الزخم الثوري إلى مجادلات دستورية، أفضت إلى متاهات قانونية عقيمة ذهبت بكل ما تحقق لثورة الخامس والعشرين من يناير من نجاحات على طريق استرداد الحرية. وفي تونس اندلعت جدالات إيديولوجية حول مستقبل الدولة: أتكون علمانية أم دينية؟

هذه التراجعات والانهزامات المتلاحقة في مسار الربيع الثوري العربي، خاصة في مصر، من المفترض أن تجعل كبار القيادات السياسية في إسرائيل تستشعر ارتياحاً وطمأنينة بأن الفقاعة الثورية في العالم العربي قد تفجرت أخيراً، بما يمهد لدول مثل مصر وتونس أن تعود إلى العهد القديم السابق على الثورة.

على العكس من ذلك تماماً، فإن القناعة النهائية لدى قادة إسرائيل هي أن المارد لن يعود إلى القمقم، وأنه بالتالي ينبغي التحوط ضد كافة الاحتمالات الأمنية السياسية، بما في ذلك احتمال اشتعال انتفاضة فلسطينية تستفيد مما يجرى حالياً ومستقبلاً في العالم العربي.

أجل، تراجعت الأجندة الثورية في مصر وتونس، على سبيل المثال، لكن الجذوة الثورية تبقى متقدة. تتصارع القوى والأحزاب والمنظمات حول مسائل دستورية وتختلف بشأن قوانين الانتخابات، ولكن بعد أن تحسم هذه القضايا المحلية فإنه سوف يحل الظرف الملائم للالتفات إلى قضايا التعامل مع الخارج.

وستكون على رأس هذه القضايا الخارجية مواجهة إسرائيل بمنهاج راديكالي جديد تماماً. هذا هو الاستخلاص الذي يبدو أن القيادات الإسرائيلية بمختلف توجهاتها، قد توصلت إليه كقناعة أخيرة. وبالطبع فإن هذه القناعة ينبغي أن يرتب عليها فعل بحجم وخطورة الاستخلاص، فما هو الفعل الإسرائيلي المتوقع خلال المستقبل المرئي؟

كما هو معلوم، فإن المخطط الاستراتيجي الإسرائيلي الأعظم هو تهويد أرض الضفة الغربية بالكامل، تمهيداً لضمها إلى إسرائيل.

من هنا أتت تلك الدعوة إلى الوحدة الوطنية. فالقادة الإسرائيليون أصبحوا يدركون الآن أن إسرائيل صارت في حالة سباق مع الزمن، لاستكمال تطبيق مشروع تهويد الضفة قبل فوات الأوان؛ أي قبل انتفاضة فلسطينية ثالثة.

هذا هو مغزى ما كشفت عنه جمعية استيطانية إسرائيلية بشأن خطة جديدة تبدأ بتنفيذها اعتباراً من نهاية مايو الجاري، بهدف الاستيلاء على العديد من المنازل والعقارات والمحال التجارية والأراضي في القدس الشرقية. ويبقى السؤال المصيري: هل تندلع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة قبل فوات الأوان؟

 

Email