لا حدود للتعليم

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتمتع كل طفل بحق التعليم، ومع ذلك فإن ملايين الأطفال يعيشون في بلدان تنتهك ذلك الحق بصورة منهجية، بسبب النزاعات المسلحة. وقد حان الوقت لأن يضع المجتمع الدولي حداً لهذا الوضع، من خلال التعامل مع مسؤوليته عن حماية التعليم في جميع البلدان بجدية، وبغض النظر عن الحواجز التي أوجدتها الصراعات المسلحة.

وبعيداً عن انتهاك حقوق الأطفال، فإن الامتناع عن حماية الحق في التعليم يغذي دوامة العنف. ويتمثل أحد أكبر مخاوف الأمهات الصوماليات المقيمات في مخيمات اللاجئين في شمال كينيا، في أن محدودية الفرص المتاحة للتعليم ستدفع أبناءهم للانضمام إلى صفوف حركة الشباب المتمردة. ويمكن سماع مخاوف مماثلة في أوساط اللاجئين الدارفوريين، المقيمين في مخيمات شرق تشاد.

ويبذل الآباء الذين يعيشون في مناطق نزاع، جهوداً غير عادية في سبيل الإبقاء على الأمل الذي يأتي مع التعليم. ومع الأسف، فإن الشيء نفسه لا ينطبق على المجتمع الدولي، حيث تقل نسبة المساعدات الإنسانية المخصصة للتعليم حالياً عن 2%.

ويشكل جنوب السودان أحدث الدول التي تظهر الافتقار إلى المساعدات المخصصة للتعليم، ففي عام 2005، عندما أنهت اتفاقية سلام حربا أهلية وحشية دامت 21 عاماً، ارتفعت الآمال في مستقبل أفضل. وبعد مرور سبع سنوات، تحقق العديد من الإنجازات، حيث التحق ما يزيد على نصف مليون بمؤسسات تعليم رسمية للمرة الأولى، وانخفضت معدلات الوفيات بين الأطفال بنسبة 20%، كما طرأت تحسينات عدة على مجالات التطعيم والتغذية والحصول على المياه النظيفة.

ولكن على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه، فإن ما يزيد على 80% من سكان جنوب السودان يعيشون على أقل من 1,25 دولار في اليوم، وتعاني البلاد من أعلى معدل وفاة بين الأمهات على مستوى العالم، وتصل إلى النصف نسبة الأطفال الذين لا يذهبون إلى المدرسة الابتدائية، على الرغم من أن أعمارهم تخولهم الالتحاق بها، ولا يتجاوز عدد الفتيات اللاتي يصلن إلى آخر صف من المرحلة الثانوية، 400 فتاة. وفي الواقع، فإن احتمال وفاة الفتيات أثناء الولادة، يفوق احتمال تجاوزهن المرحلة الابتدائية من التعليم.

ومع تصاعد التوترات، فإنه يتعين على شمال السودان وجنوبه أن يتراجعا عن حافة الصراع، ويسويا خلافاتهما. وعلاوة على ذلك، فإن جنوب السودان يحتاج إلى الدعم في ما يتعلق بإعادة الإعمار. وكما أشارت لجنة برلمانية بريطانية في تقرير صدر مؤخراً، فإن جنوب السودان سيحتاج إلى الاستثمار في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية، لكي يتطور كدولة تنعم بالسلام والرخاء. وتتجلى هذه الحقيقة أكثر ما تتجلى، في مجال التعليم المدرسي.

وقد أظهر الآباء في جنوب السودان، قدرا غير عادي من العزيمة والابتكار والطموح في محاولتهم إدخال أطفالهم إلى المدارس، وكان تعليم الأبناء أهم المطالب التي تقدم بها الآباء الذين انتقلوا كلاجئين من السودان القديم إلى دولة جنوب السودان الجديدة. ولسوء الحظ، فإن الشيء نفسه لا ينطبق على مساعدات المجتمع الدولي.

ومنذ أن أبرمت اتفاقية السلام، ومساعدات التعليم تصل بالقطارة. ولا تزال الشراكة العالمية من أجل التربية والتعليم، التي تعمل في ظل رعاية مالية من البنك الدولي، بحاجة إلى وضع برنامج خاص بها. وتعمل غالبية الجهات المانحة الثنائية، على نطاق صغير. ومما يزيد الطين بلة، الحديث عن تقليص المساعدات الإنمائية طويلة الأمد، ونقل المساعدات إلى ميزانيات إنسانية قصيرة الأجل.

إن ذلك آخر ما قد يحتاجه جنوب السودان، والبديل موجود. ففي تقرير نشرته مؤخرا، طرحت خطة "للحاق بركب التعليم"، التي تهدف إلى توسيع نطاق فرص التعليم لتشمل 2,5 مليون طفل بحلول نهاية عام 2015. وستبلغ التكلفة نحو 400 مليون دولار سنويا، على امتداد السنوات الأربع المقبلة. ويمكن توفير ما يقرب من نصف ذلك المبلغ، بتمويل مشترك من البنك الدولي والشراكة العالمية من أجل التربية والتعليم.

ومما لا شك فيه أن البعض سيجادل بأن إدخال جميع أطفال جنوب السودان إلى المدارس، في ظل المناخ الحالي، يعد أمراً "غير واقعي"، وبأنه ينبغي لنا الانتظار إلى أن ينحسر التهديد بالحرب.

ولكن أين هي "الواقعية" في حرمان جيل كامل من الأطفال من فرصة للتعليم، مما يمكن أن يغير حياتهم؟ ولم قد نضيع فرصة لبناء نظام تعليمي قد يساهم في تحفيز النمو، وإيجاد فرص العمل، وتعزيز المواقف التي يعتمد عليها المستقبل السلمي؟

ينبغي لنا أن نكف عن النظر إلى التعليم باعتباره جزءاً من الأضرار الجانبية التي تأتي مع النزاع. فنحن نعلم أن التعليم يقدم للأطفال أفضل فرصة للهروب من الفقر، ونعلم أنه، لا سيما بالنسبة للفتيات الصغيرات، يستطيع أن يكون بمثابة حافز للتقدم في مجالات أخرى، مثل التغذية، وخفض معدل وفيات الأطفال، ومكافحة الأمراض المعدية. وبالنسبة للأطفال المحاصرين في الصراع، فإن التعليم قد يساهم في خلق شعور بالحياة الطبيعية، والإبقاء على الأمل بمستقبل أفضل.

ولا ينبغي لحق طفل في التعليم، أن يعتمد إطلاقاً على الحدود التي ترسمها الجغرافيا أو النزاعات.

إن هؤلاء الأطفال بحاجة إلى مساعدتنا، وهم بحاجة إليها الآن وبشكل عاجل.

Email