فرنسا والبحث عن رئيس من الوزن الثقيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتهت الجولة الأولى بفوز فرانسوا هولاند مرشح اليسار للانتخابات الرئاسية الفرنسية بالنقاط على غريمه نيكولاس ساركوزي مرشح اليمين واليمين المتطرف.

أولا، وهذه مقدمة يجب الإشارة إليها ويجب أن ننتبه لها نحن العرب والمسلمين، سواء في الانتخابات الفرنسية أو غيرها، وخاصة في الانتخابات التي تتعلق بالصراع بين فريقين على كرسي الرئاسة في الدول ذات الثقل السياسي والعسكري والاقتصادي، وهو أن لا نتورط في موقف (مع) أو (ضد) مرشح آخر. وأن لا نفرح بوصول فلان ونثور لخسارة علان. والسبب هو أننا تماما خارج اللعبة .

ولا يحسب لنا حساب إلا كما يحسب للبقرة حليبها ثم جلدها، وفي كل الأحوال ليس لنا منها سوى ما للمتطفل على مائدة الكبار. كما أننا في حقيقة الأمر لا نمثل ثقلا لا في الانتخابات الأميركية ولا البريطانية ولا الفرنسية ولا غيرها لأننا مازلنا نفتقد ذلك اللوبي الذي يرسم خططه ويضع بكل شراسة كافة إمكانياته وموارده لإنجاح معسكر ضد معسكر بناء على حسابات نحن لا نفهمها. وهذا لا يعني إننا لا نملك القدرات، بل بالعكس تماما، ولكننا نجهل كيفية توظيفها.

نتائج الانتخابات الفرنسية في الدورة الأولى كانت متوقعة حتى قبل ذهاب الناخبين إلى صناديق الاقتراع. فالمؤسسات المتخصصة في استطلاع الرأي العام في فرنسا كانت قد توقعت قبل فترة طويلة من الزمن انتصار هولاند على ساركوزي. أما أرقام النسب كما نشرتها والتي توقعت أن يحصل عليها كل مرشح فقد كانت قريبة جدا من أرقام النتائج النهائية، باستثناء نتائج بعض المرشحين كاليمين المتطرف.

وهذا يؤكد مدى دقة مثل هذه الدراسات التي تقوم بها مؤسسات استطلاع الرأي العام في مثل هذه المناسبات وغيرها. غير أن ما يهم في كل ذلك كله.

هو أن الرئيس نيكولاس ساركوزي خسر الرهان رغم خبرته الطويلة في إدارة شؤون البلاد أثناء حكومة شيراك ومن ثم عندما حكم فرنسا على مدى خمس سنوات. ورغم تحذيرات نتائج استطلاع الرأي إلا أنه لم يحاول أن يحيد عن سياسته وأصر على موقفه الثابت بأنه سيكسب الرهان شاء من شاء. وكان ساركوزي تدغدغه أحلام أصوات اليمين المتطرف منذ زمن طويل ولم يكن يعلم بأن هؤلاء هم من سيخذله.

فقد ابتلع اليمين المتطرف ما نسبته 19 في المئة من الأصوات! فخسر ساركوزي المعركة. وطبقا للمحللين فإنه حتى ولو منح 80 في المئة من هؤلاء أصواتهم لساركوزي في الانتخابات النهائية فإنه لن يحصل على مراده.

فالأحزاب اليسارية الأخرى ستدعم هولاند بكل ما أوتيت من قوة. فأفكار ساركوزي اليمينية التي تماثل إلى حد كبير أفكار اليمين المتطرفة في مواجهة الإسلام والمهاجرين دون الالتفات إلى صلب القضايا الاجتماعية، أفقدته الكثير من التعاطف الشعبي وتم احتسابه على معسكر اليمين المتطرف. فاليمين المتطرف رغم أنه حصل على 18 في المئة من أصوات الناخبين إلا أنه يذكر الفرنسيين من كلا الطرفين بأبشع حربيين عالميتين عرفتهما أوروبا .

والتي راح ضحيتها الملايين من البشر بسبب العنصرية الممجوجة والمرفوضة في دولة تربي أطفالها على الإنسانية والعدالة بين فئات المجتمع وعلى العيش في سلام. صحيح أن الفرنسيين قد صوتوا دعما لمارين لوبين رئيسة حزب اليمين المتطرف ولكنهم في حقيقة الأمر يرفضون تماما أن تحكمهم هذه الفئة التي قد تضع فرنسا على حافة الحرب الأهلية.

ولما يحمله هذا المصطلح من أفكار في جوهرها أفكار تنادي بها الأحزاب النيو نازية التي بدأت تنتشر في أوروبا. ولو أن ساركوزي فكر لحظة في كيفية التعامل بلطف ودبلوماسية مع كافة أطياف المجتمع الفرنسي فلربما نال حظا أكبر في هذه الانتخابات. غير أنه كان ومازال مصرا على موقفه هذا، ومازال يحلم بأصوات اليمين المتطرف في الانتخابات القادمة.

ومازال يكيل التهم للمسلمين بأنهم وراء خسارته. حيث اتهم المفكر الإسلامي السويسري الجنسية طارق رمضان بأنه دعا الناخبين الفرنسيين إلى التصويت لصالح هولاند. ما نفاه طارق رمضان جملة وتفصيلا. وقد ادعى ساركوزي في مناظرته قبل أيام، أن ناخبي مارين لوبين ليسوا من اليمين المتطرف، وإنما هو مجرد تصويت ناتج عن أزمة. وغاب عن باله أنه كان يحكم فرنسا على مدى خمس سنوات دون أن ينتبه إلى تلك الأزمات مكتومة الصوت إلا عندما استيقظ على أصوات أجراس الانتخابات الرئاسية الجديدة!.

فرانسوا هولاند رجل خجول، ومازال يشق طريقه بصعوبة في عالم معقد ويحتاج إلى خبرات طويلة وعميقة. وإن لاقى استحسان الشعب الفرنسي فذلك لأنه يذكرهم برائحة عمالقة الحكم في فرنسا الذين افتقدوهم طوال ولاية نيكولا ساركوزي. فهو في وقفته وصوته (حتى ولو كان تقليدا) يذكرهم بوقفة ورزانة وصوت وإيماءات رئيسهم الراحل فرانسوا ميتران الذي أثار دهشة حتى أعدائه. الفرنسيون باتوا في حاجة ملحة إلى رئيس من ذلك الوزن الثقيل، وهم راضون حتى بنصفه... فهل يعوضهم فرانسو هولاند عن هذا الفراغ الطويل؟.

 

Email