أميركا وحقيقة الحرب في أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

لقد انهار الدعم الأميركي للحرب الأفغانية . وتظهر عدة استطلاعات جديدة أن معظم أعضاء الحزب الجمهوري، وهو الحزب الذي يشكل موطناً لصقور أميركا، يعارضون الآن الصراع الذي امتد عشرة أعوام. وليس ذلك من المستغرب. فالجيش الأميركي يخدع بلده منذ عدة سنوات.

وفي عدد أخير من «مجلة القوات المسلحة». كتب المقدم دانيال ديفيس، الذي أمضى العام الماضي في العمل في أفغانستان، يقول: «لقد غطيت أكثر من 9000 كيلومتر، وتحدثت وسافرت وقمت بدوريات مع جنود في مختلف أنحاء البلاد. وما رأيته لم يكن مشابهاً للتصريحات الرسمية الوردية التي أدلى بها القادة العسكريون الأميركيون بشأن الأوضاع في الميدان». وأضاف إنه، بدلاً من ذلك، لاحظت غياب النجاح على جميع المستويات تقريبا.

وليس من المستغرب أن ديفيس يمثل صوتاً معارضاً في الجيش الأميركي. ولكن مكتب سلامة المنظمات غير الحكومية في أفغانستان، الذي يمثل مئات المنظمات غير الحكومية العاملة هناك، قدم ملاحظات مماثلة في تقرير الحالة الذي أصدره أخيراً. إذ ارتفع عدد الحوادث العنيفة التي سجلتها المنظمات من مراكزها المنتشرة في جميع المقاطعات تقريباً بنسبة 14% في العام الماضي، مقارنة بعام 2010، في حين أظهر عدد المسؤولين العسكريين انخفاضاً بنسبة 3%.

في حقيقة الأمر، فإن الهجمات على المنظمات غير الحكومية نفسها ارتفعت بنسبة 20%. ويمكنكم المقارنة بين ذلك وبين التصريح العذب الذي أدلى به ناطق باسم البنتاغون بعد أن لقي 40 شخصا حتفهم في احتجاجات على الحرق غير المقصود لعدد من المصاحف في قاعدة أمريكية في اواخر فبراير الماضي.

فقال: «يعتقد كبار الضباط أننا أحرزنا تقدما كبيرا فيما يتعلق بإبطال زخم طالبان وتطوير قوات الأمن الأفغانية». وبعد مرور أسابيع قليلة، أقدم جندي أفغاني مدرب من قبل حلف شمال الاطلسي على قتل جنديين بريطانيين، وفي اليوم ذاته، قام ضابط شرطة أفغاني بقتل جندي من جنود حلف شمال الاطلسي. وأسفر ذلك عن وصول العدد الإجمالي للجنود الغربيين المقتولين على أيدي جنود افغان إلى 80 جندياً.

ونتيجة لذلك، فإن مديرية الأمن القومي الأفغانية ترسل ضباط مخابرات لكي يتسللوا إلى جيشها ويتجسسوا على الجنود، لغرض التأكد من أنهم ليسوا خونة ينتمون إلى حركة طالبان ويخططون لقتل الحلفاء الغربيين. وعلاوة على ذلك، فقد أمر الجيش الأفغاني جنوده البالغ عددهم عدة آلاف، والذين يقيمون مع عائلاتهم في باكستان، بالانتقال إلى أفغانستان أو ترك الجيش، خشية أن يكونوا خونة.

ولكن لا يزال هناك سؤال يدور حول مدى فعالية هذه الجهود.

وقال أندرو ماكاي، وهو لواء في الجيش البريطاني، لصحيفة «صنداي تلغراف». «إن مستوى منهجياً من انعدام الكفاءة يقبع داخل وزارة الدفاع منذ فترة طويلة بحيث أصبح جزءا من ثقافتها». وهو الآخر عاد لتوه من جولة خدمة في أفغانستان.

وعلى سبيل المثال، فإن الوزارة لم تستطع، أو تحاول، منع طياري القوات الجوية الأفغانية، الذين يحلقون بطائرات تدفع الولايات المتحدة ثمنها، من استخدام تلك الطائرات لرحلات المتاجرة بالمخدرات. ولم يفسر أحد حتى الآن السبب وراء العثور على ما يقرب من اثني عشر حزاماً ناسفا داخل مبنى الوزارة في اواخر الشهر الماضي.

وأدى ذلك كله، وأكثر منه، إلى توصل 66% من الاميركيين إلى أن الحرب لم تعد تستحق أن تخاض، وذلك وفقاً لاستطلاع جديد أجرته كل من صحيفة «واشنطن بوست» ومحطة «إيه بي سي نيوز». وفي أواخر الشهر الماضي، خلص استطلاع أجرته كل من صحيفة «نيويورك تايمز» ومحطة «سي بي إس نيوز» إلى نتيجة مماثلة، حيث قال 69% من المستطلعين انهم يعتقدون أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تنهي الحرب. وقدمت استطلاعات أخرى، أجريت من قبل مؤسسة «غالوب» و».ركز بيو للأبحاث» وغيرهما، نتائج متسقة.

وذلك يترك المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني أمام مأزق، لا سيما أن معظم أعضاء حزبه يعارضون الحرب الآن. وقد قال هو مرارا إن أميركا يجب أن تهدف إلى هزيمة طالبان في ساحة المعركة. لا أحد يعرف ما الذي دفع كثير من الأميركيين، أخيراً، إلى التحول بشكل حاسم ضد الحرب. ربما سمع بعضهم المقدم ديفيس يقول على إذاعة «الديمقراطية الآن». «لقد شوه كبار قادة الجيش الأميركي الحقيقة إلى حد كبيرة لدى اتصالهم بالكونغرس والشعب الأميركي في ما يخص الأوضاع على أرض الواقع في أفغانستان، بحيث أن التعرف على الحقيقة أصبح مستحيلا».

 وتتمثل إحدى المشكلات الكبرى في أن قياس النجاح في هذه الحرب يكاد يكون مستحيلا. فما هي المقاييس؟ للأسف، لقد أدى ذلك إلى استئناف استراتيجية «إحصاء الجثث». التي تقوم على عد هجمات المتمردين والقتلى من الأعداء. لقد أضحت القوات الغربية «غارقة بشكل يائس في عد الجثث كمقياس للنجاح». وذلك وفقاً لما قاله اللواء ماكاي. وأضاف: «إن تاريخ حرب فيتنام يخبرنا بأن هذه طريقة مروعة لتحقيق ذلك. ولكننا لا نزال نقول: «لقد قتلت 300 من أفراد حركة طالبان في هذه الجولة». وكما جاء في تقرير المنظمات غير الحكومية، فإن «الاستراتيجية المتماسكة الوحيدة التي تبناها المجتمع الدولي في أفغانستان كانت مغادرة البلاد».

 

Email