فسر أحلامنا يا شيخ وسيم يوسف

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبدو الشعوب العربية وكأنها أسراب من البشر تغرد خارج القرن الواحد والعشرين. العالم يسير في واد وهم يهيمون في واد آخر.

مثل هذه الأوضاع المأساوية لا تحدث إلا في كوكب ليس به مذياع ولا أجهزة اتصال، بحيث لا يعرف الداني ما يحدث للقاصي. وهذه الحال كما هي وللأسف الشديد كما هي منذ عقود طويلة مضت.

في الستينيات كان الغرب يطلق علينا شعوب العالم الثالث. وكانت معظم الدول العربية لا تتعدى كونها مجرد مستعمرات بريطانية أو فرنسية. وبعد أكثر من نصف قرن، ورغم استقلالنا شكليا، وبدلا من أن يطلق علينا شعوب العالم الثاني، وإذا بنا في حقيقة الأمر شعوب العالم العاشر. بكلمة أخرى، تحولنا إلى مسرحية هزلية يتفرج عليها العالم دون أن يفهم مغزاها.

شعوب تطالب بالحرية، ونشاهدها على شاشات التلفزة تسحق بالدبابات وتحرق. وشعوب أخرى تطالب بالاستقرار بعد عقود من الاضطرابات، نجدها تعلن الحرب على جيرانها. شعوب تمتلك بحارا من النفط، وما زالت تعيش في أكواخ من القش في حالة يرثى لها. شعوب تعلن الثورة وتقدم دماء أبنائها في سبيل التحرر من الاستبداد، تقع في فخ المصلحة الخاصة ورفض الآخر وتمارس نفس الديكتاتورية، شعوب تطالب بالديمقراطية، فيأتيها رجال ليس لهم هم سوى فرض رأيهم على الآخرين.. وهكذا.

العروبة أصابها الوهن والضعف وتردي الحال. لا بأس، فالعروبة اختراع لم يكتمل وحلم لم يتحقق، ومصطلح اعتمد على وحدة اللغة التي لم تتحد في يوم من الأيام إلا لمصلحة فلان ضد فلان. أما الإسلام الذي نعول عليه، فقد بدأ يتحول إلى نقطة التقاء ولكن على خط النار بين المذاهب المختلفة ينبشون في الماضي ليتصارعوا في الحاضر على قضية مضى عليها 1430 عاما. وكل مذهب يدعي بأنه الفئة ا لتي ستدخل الجنة والباقون في النار. ولا يعرف الحق والحقيقة إلا الله.

فكلما قرأت سيرة مذهب رأيته يحاول إقناعك بأنه على صواب ويتهم الآخر بالزندقة والكفر. وكلما فتحت مذياعا أو قناة فضائية رأيت رجال الدين يقدمون لنا النصائح تلو النصائح ويعيدون علينا ما قالوه بالأمس. ويفسرون أحلامنا التي طغت على واقعنا. فلا استمعنا إلى تحذيراتهم ولا تقدمنا خطوة للأمام. وعدنا إلى سيرتنا الأولى نخالف الدين في أبسط مبادئه ونحارب الدنيا بغير ذنب ارتكبته سوى أن الله أراد لنا أن نولد على هذا الكوكب مرة واحدة فقط لا غير. وبعدها نعود للتراب.

وضاع العرب والمسلمون بين الماضي والحاضر كما ضاعوا بين الدين والدنيا. أما مستقبلهم فما زالت ملامحه موضع تساؤل. وعلى ما نراه وما نشاهده، فالمسافة بيننا وبين شعوب الأرض المتقدمة علينا أطول من المسافة بين الأرض والمريخ.

نسينا سرقة فلسطين بعد أن أخذنا عهدا باستعادتها شبرا شبرا. وبالفعل، أصبحنا يوما بعد يوم نخسرها شبرا شبرا. ولم يعد أبناؤنا يسمعون عن دولة فلسطين إلا كواحدة من بلدان قصص ألف ليلة وليلة. ولكن أبناءنا يعرفون كل شيء عن إسرائيل التي أصبحت (واقعا) ملموسا يفرض نفسه على جيلنا في الكتب والمراسلات والأخبار.

ونسينا قضية تطوير وبناء لبنان بعد أن دمرتها أيادي أبنائها بعد أن كانت جنة الله على الأرض. ثم دكتها إسرائيل مرات ومرات، وأعادتها إلى زمن الجاهلية الأولى. ونسى اللبنانيون وطنهم وانشغلوا بالبحث عن قاتل رفيق الحريري. وهم يعلمون في سريرتهم من هو قاتله، ولكن للسياسة أوامر.

ودكت العراق دكا دكا. وقلنا ما شاء الله! أورث الله العراق رجالا عادلين بعد أن حكمها سلطان جائر. واكتشفنا بأن العراق عاد إلى عهد ما قبل الطوفان، بعد أن كان مهد الحضارة في زمن حمورابي. فلا استقرار ولا تطور ولا حضارة ولا صناعة ولا ماء ولا كهرباء ولديهم نهران وبحار من النفط. وبدلا من الاستفادة من أخطاء النظام الذي سبقه، عاد ليعيد سيرته بين الأنانية وحب السلطة والمؤامرة.

وكأنك يا أبو زيد ما غزيت. وكنا حلمنا (وليت الشيخ وسيم يوسف يفسر لنا هذا الحلم) بأن دولة العراق بفضل النفط الزائد عن اللزوم أصبحت خضراء من جديد، وامتلأت بالمصانع المتقدمة بحيث استغنت الدول العربية عن استيراد السيارات والحواسب الآلية والطائرات من الشرق والغرب. وأن منتجات (صنع في العراق) ملأت الأسواق العالمية. لكن العراق ما زال غير قادر على توفير حتى الكبريت لسكان بغداد.

وعندما فشلنا في أحلامنا عن العراق، اتجهنا بأنظارنا إلى نفط السودان. وقلنا إن السودان سوف يحقق أحلامنا بفضل مخزونه النفطي. وإذا بالصراع بين شقي السودان شماله وجنوبه يحتدم، مؤذنا بحرب جديدة سيشنها سودان الشمال برئاسة عمر البشير ضد جنوبه برئاسة سيلفا كير!! بعد أن ضاع الجنوب بسبب الصراعات.

لا وقت للحديث عن ثورة ليبيا ولا ثورة مصر ولا عن العدالة الاجتماعية الضائعة ولا عن الرشاوى والفساد وحب المال والسلطة... ولا عن ضياع أحلامنا وآمالنا القومية. ولا عن الظلم الذي لبس قفطان القاضي العدل.

Email