الصحافة الرياضية والاحترافية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتمحور إشكالية الإعلام الرياضي حول عدة قضايا مهمة، تتعلق بالرياضة بالدرجة الأولى وإدارتها وكيفية جعلها في مستوى يرقى إلى الجودة والنوعية والمنافسة العالية، بهدف التألق والتميز على المستوى المحلي والإقليمي والدولي. فالرياضة اليوم أصبحت صناعة تقوم على المنهجية والعلوم، واستراتيجيات التسويق والإدارة والرعاية والإعلان.

 كما أصبحت الرياضة كذلك تجارة تدر أرباحاً كبيرة على أصحاب الأندية والمستثمرين فيها. فالاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، على سبيل المثال لا الحصر، أصبح إمبراطورية لها وزنها في السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، حيث إن ميزانيتها تقدر بمليارات الدولارات، ورئيسها الحالي السويسري ساب بلاتر يُستقبل استقبال الملوك والرؤساء عندما يقوم بمهامه الرسمية أو لدى تلبيته دعوات المسؤولين عن كرة القدم في مختلف بقاع العالم.

هذه الخصائص التي تميز الصناعة الرياضية إن صح التعبير، تضع تحديات ورهانات كبيرة جداً أمام الصحافة الرياضية، حيث إن هذه الأخيرة يجب أن تعكس هموم وشجون وقضايا الرياضة، بكل مهنية وحرفية وموضوعية والتزام، من أجل المساهمة في تطويرها ونشر الثقافة الرياضية والوعي الرياضي في المجتمع، وكذلك المساهمة في تطوير الأداء الرياضي نفسه وتطوير إدارة الرياضة. والكلام عن الرياضة كذلك يقودنا إلى الكلام عن أية رياضة نحن نتكلم؟ الرياضة المدرسية، الرياضة الجامعية، رياضة النخبة، رياضة الأندية، الرياضة النسائية، الرياضة العمالية، رياضة ذوي الاحتياجات الخاصة... والقائمة تطول.

أما الكلام عن الإعلام الرياضي، فيقودنا كذلك إلى عدة تساؤلات تتعلق بالصحافي الرياضي في المقام الأول، من حيث التخصص والحرفية والمهنية، كما تقودنا للكلام عن تكوين هذا الصحافي الرياضي، وما هي علاقة أقسام الإعلام والاتصال في الجامعات بالمؤسسات الإعلامية، في شأن تكوين وتجهيز الصحافيين المتمرسين. وهنا نلاحظ ثغرات وفجوات كبيرة في عملية التكوين، حيث قلة البرامج أو انعدامها، وكذلك غياب التعليم المستمر والدورات التدريبية، لصقل مهارات ومواهب الصحافيين ومواكبة التطورات التي تحدث في المجال الرياضي نفسه، بتخصصاته وحقوله المختلفة.

في البداية، يجب أن نتفق على أن الإعلام الرياضي لا يعني فقط التغطية الإعلامية للأحداث والفعاليات الرياضية، وإنما المقصود هنا، إلى جانب التغطية، التحليل والنقد والدراسة المتأنية للحركة الرياضية في البلاد بصفة عامة، من أجل النهوض بها والتأكيد على الممارسات الإيجابية للحفاظ عليها، ونقد الممارسات السلبية من أجل تصحيحها ومعالجتها. وهنا نلاحظ أن الإعلام الرياضي يعاني من التركيز على بعض الرياضات دون الأخرى، وهنا نشير إلى أن الرياضة بالنسبة لبعض الإعلاميين والمسؤولين عن الإعلام الرياضي، هي كرة القدم وفقط.

المشكل الآخر الذي يعاني منه الإعلام الرياضي، هو التحيز لفريق أو جهة معينة، على حساب المهنية والموضوعية والالتزام. ومثل هذا التصرف يؤدي إلى مشكلات عديدة، حيث إن انعدام الحقيقة والحياد يسيء إلى الرياضة نفسها وإلى الإبداع الرياضي والتميز الرياضي، كما أنه يؤدي في بعض الأحيان إلى تصرفات غير سليمة من قبل الجمهور. فالرياضة قبل كل شيء هي منافسة شريفة، وهي أخلاق وقيم ومبادئ إنسانية يجب أن يحترمها الرياضي والإعلامي والجمهور. فنلاحظ هنا أن صحافيي المدينة "س" ينحازون إلى فريق المدينة ويمجدون ويقدسون نجاحاته، أما إخفاقاته فيبرونها بطرق وأساليب مختلفة، كالتحكيم أو أرضية الملعب أو تصرفات جمهور الفريق المنافس... الخ. ومثل هذه الممارسة الإعلامية تسيء للرياضة أكثر مما تفيدها. من جهة أخرى نلاحظ التضخيم والتهويل المبالغ فيه، حيث إن الأيام تكشف العكس تماماً عما قيل وكُتب في الشأن "س" أو "ج". وهذا يؤدي إلى فقدان المصداقية والثقة والاحترام من قبل الجمهور.

ومن المشكلات الرئيسية التي يعاني منها الإعلام الرياضي، حرية النقد والخوض في المسائل الجوهرية، وكذلك الحصول على المعلومات من بعض المسؤولين. وفي حال الحصول على المعلومات فهناك إشكالية الولاء لـ"س" أو "ج"، وعدم التطرق للنقد أو الكشف عن الحقائق التي قد تغضب المسؤول. فالإعلام الرياضي مثله مثل باقي الإعلام، يعاني من الضغوط الهيكلية والتنظيمية، ويعاني من الرقابة والمحرمات والخطوط الحمراء. فكما لا يخفى على أحد، هناك فساد في الأوساط الرياضية، وهناك قرارات ليست صائبة في بعض الأحيان، وهناك ضعف في التخطيط ووضع الاستراتيجيات، لكن مثل هذه القضايا نادراً ما نجدها في صفحات الجرائد في تحقيقات أو تقارير أو دراسات مستفيضة، لإثارتها وطرحها أمام الرأي العام، ولمناقشتها والوصول إلى وضع حلول لها.

من بين ما جاء في المؤتمر الدولي حول الصحافة الرياضية تحت شعار "نحو إعلام رياضي محترف"، الذي نظمه المجلس الرياضي في دبي قبل أشهر، مداخلة لـ عبدالحميد أحمد رئيس تحرير جريدة "الجلف نيوز"، أكد فيها أن الصحافة الرياضية لا سلطة لها، وبذلك فإنها لا تستطيع أن تؤثر في الواقع وتغّيره، فـ"الصحافة تعاني أزمات عدة تجعلها غير مقنعة في القيام بدورها على النحو الذي يجعل لها تأثيراً إيجابياً على الواقع الرياضي الذي نعيشه، بدليل أن الإعلام المقروء لا يستطيع أن يوّجه نقداً إلى لاعب أو مسؤول أو مدرب، لأنه لا يملك الإمكانات والمقومات التي تؤهله لذلك".

فالإعلام الرياضي يجب أن تكون له رسالة سامية، من أجل التطوير والتغيير وإبراز النتائج الإيجابية التي يجب تعميمها والمحافظة عليها، والتطرق للسلبيات من أجل تصحيحها والتعلم منها وتجاوزها. لكن في الواقع نرى المبالغة والتطرف والتضخيم والتهويل والانحياز لطرف على حساب طرف آخر... الخ، وهذا ما يتطلب الاهتمام بالحرفية والمهنية في الإعلام الرياضي، حيث نلاحظ قلة الكادر المؤهل وقلة الدورات التدريبية والتعليم المستمر للتطوير المهني والوظيفي، وكذلك الاهتمام بالتخصص واحترامه. ويجب على من يمتهن العمل في مجال الإعلام الرياضي، أن يحب هذا المجال ويكون ملماً بمختلف جوانبه، ويعمل على تطوير وتجديد معلوماته باستمرار.

من جهة أخرى، يجب على الإعلامي الرياضي الاقتناع بأن الصحافة الرياضية لا تتوقف على السرد ونقل المعلومات والأخبار والأحداث الرياضية فقط، بل هناك جانب أهم، وهو التحليل والدراسة والنقد والتقييم، والوقوف عند الإيجابيات والسلبيات. فالإعلام الرياضي لا يقل أهمية عن باقي أنواع الإعلام، كالاقتصاد والسياسة والفن والثقافة والتكنولوجيا والطفل والمرأة..، وإنما هو إعلام له مكانته في المجتمع، نظراً لمكانة الرياضة في حياة الفرد والمجتمع، ومكانتها كذلك على المستوى الدولي. فصحافة الاستقصاء والتحقيقات والدراسات والنقد وطرح المواضيع الجوهرية، مهمة جداً للرقي بالحركة الرياضية في المجتمع وجعلها في مستوى تنافسي، سواء محلياً أو إقليمياً أو دولياً.

المهنية في الإعلام الرياضي تتطلب كذلك إقامة علاقات مهنية حرفية، تقوم على الاحترام المتبادل بين المسؤولين عن الرياضة والحكام والمدربين واللاعبين من جهة، والصحافيين من جهة أخرى، حتى لا يكون هناك ابتزاز أو استغلال أو محاباة أو ولاء لطرف على حساب طرف آخر. فالمصلحة العامة ومصلحة الرياضة في المقام والأخير، تتطلب التزام المهنية والموضوعية والنزاهة.

 

Email