التفكير بروح الشباب ومعانقة المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع توغل الأميركيين في الحملة الانتخابية الرئاسية، فإنهم سيسمعون الكثير عما يفتقرون إليه وما ينقصهم.

ورغم أن النقاشات تحولت مؤخراً، وعن حق، إلى الحاجة لتنمية الاقتصاد الأميركي، فإن شقاً كبيراً منها لا يزال خاضعاً لهيمنة المطالب الهستيرية والمدمرة، التي تنادي بفرض سياسة تقشف لتخفيض العجز، حتى قبل أن يقف الاقتصاد على قدميه مرة أخرى (وهو ما لن يسفر سوى عن تفاقم العجز، لا تخفيضه). وبطبيعة الحال، فإنه من الصواب القول إنه يتعين علينا التركيز على ما ينقصنا.

ولكن دعونا نبدأ بالحديث بدرجة أكبر، عما نتمتع به من فوائض. فمع بقاء معدل البطالة فوق 8%، فإن ما نتمتع به حالياً من براعة ونشاط وحيوية وخبرة، يفوق ما نملكه من وظائف. وبالتأكيد، فإن الأمر نفسه ينطبق على ما نملكه من وقت فراغ.

ولذلك السبب، شعرت بانجذاب شديد نحو كتاب جديد لبيتر ديامانديس، الذي تجمعني به صداقة منذ سنوات عديدة، وهو الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة "إكس برايز" (التي أعمل عضواً في مجلس إدارتها). ويستعرض كتاب "وفرة: المستقبل أفضل مما تعتقد"، الذي شارك في تأليفه ستيفن كوتلر، ثلاثة أشياء تنقصنا، وهي: الحلول، والرؤية، والتفاؤل الذي لا يقل أهمية.

والمجادلة، كما يفعل ديامانديس وكوتلر، بأن العالم يتحسن بشكل مطرد وواضح، تنطوي على مخاطر متعددة، ومنها تبلد الأحاسيس، وقلة الاهتمام بالمعاناة والفساد وبمناطق من العالم، بما في ذلك أجزاء كثيرة من أميركا، تشهد تراجعاً مطرداً وواضحاً.

غير أن كتاب "وفرة" لا يعد عملاً تفاؤلياً، إذ إن صور العقول اللامعة والمتعاطفة التي تعمل على تحسين حالة الإنسان، لا تشكل ذريعة لتجاهل العديد من المجالات التي يخذلنا فيها قادتنا ومؤسساتنا. ولكنها، بدلا من ذلك، تذكر بإمكانية فعل الخير من خلال الاستفادة من الذكاء والحكمة الجماعيين، ومن التطورات التكنولوجية التي تحدث تغييرات جذرية.

ويتعمق كتاب "وفرة" في طرق استغلال المبدعين وأصحاب المشاريع، للتقدم في مجالات الحوسبة والآليات والذكاء الاصطناعي والطب، مما ساعدهم على حل المشكلات المختلفة بشكل جماعي كما لم يحدث من قبل. وهو يركز بشكل خاص، على موجة المبدعين الذين يؤمنون بمبدأ "افعل ذلك بنفسك"، والذين "يستطيعون الآن معالجة مشكلات كانت في وقت من الأوقات من اختصاص الحكومات والشركات الكبرى فقط"، مستشهداً بالعديد من الأمثلة، ومنها بيرت روتان، مهندس الطيران الذي أصيب بالإحباط بسبب وضع نظام استكشاف الفضاء الذي تديره الحكومة (وهو أحد المجالات التي يهتم بها المؤلف أشد الاهتمام)، وابتكر "سبيس شيب وان"، وهي طائرة فضائية لنقل البشر، قام ببنائها فريق يتألف من 30 مهندسا، وتفوقت في أدائها على نموذج حكومي، وبتكلفة أقل.

ويسلط الكتاب الضوء أيضا ،على الحواجز التي أزيلت في ما يتعلق بكيفية ترابطنا، إذ يلقي ديامانديس وكوتلر الضوء على المجموعات التي تجسد مبدأ "افعل ذلك بنفسك"، لا سيما تلك التي تعمل في مجالات كانت في السابق من اختصاص الحكومة وحدها. وتساهم هذه المجموعات في توسيع فهمنا للسبل التي يمكننا من خلالها أن نبتكر، ونطور، ونساعد بعضنا البعض.

ففي مجال التعليم، لدينا سال خان، وهو الرجل الذي عمل في السابق محللاً لدى أحد صناديق التحوط، وأسس "أكاديمية خان"، التي تضم مجموعة من دروس الفيديو الرقمية تفيد الطلاب على اختلاف أعمارهم، وتتناول مواضيع شتى تتراوح بين التاريخ والرياضيات والبيولوجيا الجزيئية. ووفقا للكتاب، فإن الأكاديمية، اعتبارا من الصيف الماضي، استقبلت أكثر من مليوني زائر في الشهر، وتوسعت مكتبتها بمعدل ثلاثة أشرطة فيديو جديدة يوميا.

ويشكل "المحسنون التكنولوجيين"، وهي التسمية التي يطلقها الكاتبان على عدد من أصحاب المشاريع التكنولوجية الذين يكرسون اهتمامهم ومواردهم لحل أكبر مشكلات العالم، مجموعة أخرى يعرفها الكتاب على أنها ضرورية لبناء مستقبل من الوفرة. ومن الأمثلة التي يذكرانها؛ حملة بيل غيتس ضد الملاريا، وجهود جيف سكول في محاربة الأوبئة وانتشار الأسلحة النووية. ولأن العديد من هؤلاء المحسنين التكنولوجيين صنعوا ثرواتهم من خلال إعادة ابتكار صناعات بأكملها، فإنهم حين يحولون اهتمامهم إلى فعل الخير، فهم، بحكم طبيعتهم، يتسمون بالجرأة والعالمية.

ومن ثم، هناك الأشخاص الأكثر فقرا على مستوى العالم، وهم "المليار الصاعدون" الذين حبستهم ظروفهم المحدودة في الماضي خارج دائرة الاهتمام. ولكن ليس بعد الآن، حيث يقول الكاتبان: "إن شبكة الإنترنت تسمح لنا بتحويل أنفسنا إلى جهاز فوق استخباراتي جماعي عملاق.

وهذا الجهاز يواصل نموه مع انضمام المزيد والمزيد من الناس إلى شبكة الإنترنت. فكروا في هذا للحظة واحدة: في عام 2020، ستتم إضافة ما يقرب من 3 مليارات شخص إلى مجتمع الإنترنت". والأمر أشبه بالجلوس إلى طاولة مع مجموعة من الناس، وقيام مجموعة أخرى، تحمل رؤى ووجهات نظر مختلفة، بسحب كراس والانضمام إلى المحاورة.

ويدرك ديامانديس وكوتلر تمام الإدراك، الحواجز الضخمة التي تقف في طريق أولئك الذين يطمحون إلى تغيير العالم. والآن، كما هي الحال دائماً، هناك احتمال بألا تجد الأفكار التحويلية آذاناً صاغية، وأن تحظى الأفكار الهدامة بالاهتمام. ولكن من خلال تسليط الضوء على أمثلة كثيرة على الابتكار والإبداع في العديد من المجالات المتنوعة، فإن كتاب "وفرة" يتمتع بالقوة اللازمة للتبليغ والإلهام ومقاومة القوى التي لطالما وجدت لخنق أحلام أولئك الذين، على غرار المهندسين الشباب الذين كانوا وراء الوصول إلى القمر في ستينات القرن الماضي، "لم يدركوا أنهم كانوا يحاولون اجتراح المستحيل".

وكتب ديامانديس وكوتلر يقولان: "إن إظهار الأفكار العظيمة ينطوي على قدر كبير من المخاطرة، إذ سيكون هناك دائما معارضون. وسيقاوم الناس الأفكار المتطورة، إلى أن يتم تقبلها باعتبارها العرف الجديد. وبما أن الطريق إلى الوفرة يتطلب قدراً كبيراً من الابتكار، فإنه يتطلب كذلك قدراً كبيراً من تحمل المخاطر والفشل والأفكار التي تجدها الغالبية من الناس هراء مطلقاً".

ومن أجل تحقيق الوفرة، يقترح الكاتبان برنامج العمل التالي: "فكر بروح الشباب، وارم النرد، وربما الأهم من ذلك؛ تقبل فكرة الفشل".

Email