قريباً ستقوم القيامة في أميركا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عقود والكره العربي والإسلامي للولايات المتحدة الأميركية كان يترجم بانتظار انهيارها في يوم أغبر، كما انهار الاتحاد السوفييتي في غمضة عين. غير أن الأسباب والكيفية كانت غير معروفة ولا يمكن توقعها لقوة عظمى بحجم الولايات المتحدة.

في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، عندما تهاوى رمزا المال والثراء والسلطة في وسط نيويورك على يد مجموعة من الإسلاميين المتطرفين بقيادة أسامة بن لادن جاءوا عن طريق الجو وبمخطط أدهش العالم وحولوا في أقل من عشر دقائق برجي مركز التجارة العالمي إلى حفنة من ركام وأكثر من 3000 قتيل، ظن المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، بأن لحظة انهيار أعظم قوة في العالم قد حانت على يد المسلمين.

وأن القيامة باتت قاب قوسين أو أدنى من أجندة التاريخ الأميركي. وضربوا أسداسا بأعشار لتحديد الساعة واليوم والسنة التي ستعلن فيها أميركا نهايتها. غير أن شيئا من ذلك لم يحدث. وعاد العرب والمسلمون إلى صمتهم.

وفي خريف عام 2008، عندما هزت أركان الولايات المتحدة الأميركية الأزمة الاقتصادية بانهيار البنوك وسوق العقارات وكأنها قصور من ورق اللعب، راهن العرب مرة أخرى على أن لحظة الانهيار المنتظرة هذه المرة قد حانت. واعتمدوا في حساباتهم على أن القوة الأعظم في العالم لم تقم إلا على الاقتصاد والمال المنهوب من خيرات الدول الفقيرة.

غير أن تلك الأزمة كانت مجرد تسونامي سحق العالم قبل أن يسحق أميركا. وفلت منه الأغنياء، ودفع فقراء العالم الثمن. ولم تسقط الولايات المتحدة كما زعم المنجمون العرب، وظلت أميركا تسيطر على مقدرات الشعوب الغارقة في الديون والفقر والحروب وتبتزها أسوأ ابتزاز تماما كما تفعل النسور التي اتخذها الأميركيون شعارا لدولتهم.

وأصبحنا نحن العرب والمسلمين وضعفاء العالم، ندفع سنويا الجزية بمليارات الدولارات من خلال التهافت على شراء الكماليات والإكسسوارات بدءا من الآلات الحربية، إلى سيارات الهامر والفورد والشفروليه إلى الآي فون والآي باد المرصع بالماس والذهب والفضة، أو من خلال استخدام شبكاتهم العنكبوتية ونتجرع يوميا ملايين الجالونات من مرطباتهم المليئة بالمواد السامة ونبتلع يوميا آلاف الأطنان من الهمبورغرات المحشوة بنفايات اللحوم البقرية القاتلة.

وفي كل مرة تعطس فيها الولايات المتحدة، يتخيل العرب والمسلمون أن أميركا غصت وسوف تموت. ولا تموت. لأنه لا يموت أحد إلا بإذن الله. ولكل أمة أجل لا يعلمه إلا الله. غير أن العرب والمسلمين مستعجلون على نهاية هذه الدولة العظمى التي إن ماتت أو قتلت لانقلبنا إلى زمن الجاهلية الأولى.

ولتعطلت مستشفياتنا وآلاتنا وسياراتنا وطائراتنا وشبكاتنا العنكبوتية وربما متنا بعدهم من حر الطقس بدون مكيفاتهم. وفي أسوأ الحالات لتحولت الكرة الأرضية إلى غابة مظلمة تتصارع فيها الحيوانات المفترسة على فريسة هزيلة. ولن يكون هناك من يردع الأنظمة الحاكمة المستبدة ولا جرأة جمهورية إيران الإسلامية ولا المد الصيني من الزحف علينا كما زحف المغول علينا من قبل ونحن ما زلنا بعد ما يقارب من الستين عاما من الاستقلال والتحرر والثورات لا نملك ما نصد به أعداءنا ونحمي به عرضنا سوى الشعارات.

لكن، هناك أمل صغير لهؤلاء الذين يتمنون زوال أميركا، لم ينتبهوا إليه. وملخصه ما حدث قبل أربعين يوما بالتحديد في مدينة سانفورد في ولاية فلوريدا، عندما صوب السيد/ جورج زمرمان الأميركي الجنسية المجهول الأصل اليهودي الديانة بندقيته وأطلقها في قلب الشاب الزنجي الأميركي ترايفون مارتن الأفريقي الأصل، فأرداه قتيلا في غمضة عين. كل شيء يحدث في أميركا في غمضة عين. حتى تطورهم تشكل في غمضة عين. ما علينا، المهم أنه تم تسريح القاتل في غمضة عين أيضا.

ولم يكن ترايفون ضحية العنصرية رقم 1 في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. ولكن هذه المرة اختلف الأمر لأنه تم القبض على الأبيض. والقبض عليه لا يعني أن القضاء الأميركي يعادله في الثمن بالأسود، ولكن لأنه قامت الدنيا هذه المرة ولم تقعد من قبل الزنوج الأميركيين المحتجين بعد أن طفح الكيل بهم أمام ظاهرة الكيل بمكيالين. والولايات المتحدة مشهورة بالكيل بمكيالين. ولولا الكيل بمكيالين لم يتم تسريح الملياردير الفرنسي دومينيك شتراوس كاهن الذي اعتدى على الزنجية نافيساتو ديالو عاملة التنظيف في فندق سوفيتل نيويورك.

هذه العنصرية التي ما زالت تجري في عروق البيض في الولايات المتحدة هي التي قد تعجل يوما ما بنهاية أقوى إمبراطورية عرفها التاريخ الحديث. وعندما تنقسم الشعوب فيما بينها، على أتفه الأسباب عرقية كانت أم طائفية، فهذا يؤذن بنهايتها. وإن اشتعلت نار الفتنة بين الزنوج والبيض ومع انتشار السلاح في كل بيت، فهذا يعني أن هناك حربا عرقية ستندلع في دولة تتكون من 52 ولاية، ومن مئات الأعراق (يشكل الزنوج فيها 13%) ومن مئات اللغات ومئات الطوائف والديانات. أترككم تتخيلون فقط نشوب حرب أهلية في 52 ولاية أميركية!

وكفى!

 

Email