ثورة مصر هل تتجه للنهاية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا ينبغي أن يندهش أحد إذا انجلى غبار معركة الانتخابات المصرية القادمة، عن فوز اللواء عمر سليمان رئيس جهاز أمن الدولة السابق، بمنصب رئيس جمهورية مصر العربية.. عمر سليمان رجل إسرائيل وأميركا. هذا هو التدبير الأعظم الذي يبدو حالياً ويتهم المجلس العسكري الحاكم بالوقوف وراءه.

المشهد السياسي المصري في حالة فوران عارمة، تجعل من الصعب التفريق بين الحقائق والافتراءات. لكن هناك على الأقل حقيقة واحدة تبلورت بوضوح شبه كامل، وهي أن هناك صفقة تاريخية عظمى أُبرمت بين المجلس العسكري وتنظيم «الإخوان المسلمين»، تضمن للعسكريين خروجاً آمناً عند نهاية المرحلة الانتقالية في يونيو، وللإخوان احتكاراً للسلطة، لكن تحت رئيس للجمهورية مقبول للمجلس العسكري.

ثورة الخامس والعشرين من يناير إذن، تبخرت أو بالأحرى تتبخر على طريق النهاية. وهذه هي نقطة الالتقاء بين القادة العسكريين وقيادة «الإخوان». توقف عند هذه الحقيقة الكبرى وانظر صوب الأفق، وسوف تتضح لك تفاصيل المشهد السياسي الغائر. وبالإضافة إلى ضمان خروج آمن من السلطة العليا، هناك أمر مصيري آخر يستأثر باهتمام المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو ضمان استمرار سيطرة الجيش وحده على الاقتصاد العسكري.

من وجهة نظر المجلس العسكري، فإن أعضاءه يريدون أن يضمنوا لأنفسهم أولا وقبل مغادرة جهاز السلطة، أنهم لن يقدموا إلى محاسبة قانونية عن ما ينسب إليهم من عمليات قمع وسفك دماء ضد المدنيين العزل، في سياق التصدي للمظاهرات التي جرت في ميدان التحرير وخارجه. إنهم يريدون حصانة مقدماً، ضد أي محاكمة قد يتعرضون لها بعد نهاية المرحلة الانتقائية.

أما في ما يتعلق بالسيطرة الاقتصادية، فإن علينا أن نستدعي إلى الأذهان أن في مصر اقتصادين: اقتصاد الدولة المدنية العادي، واقتصاد المؤسسة العسكرية الذي يجعل من الجيش شريحة طبقية متميزة تماماً عن الشعب المصري بكل فئاته الأخرى.

فالجيش يدير مصانع ومزارع وشبكات اتصالات ومشروعات عقارية واستثمارات مالية في بورصات الأسهم والعملات، تذهب أرباحها وريعها إلى العسكريين وعائلاتهم، لتجعل منهم طبقة متعالية معيشياً في مقابل الشظف المعيشي العام الذي تعاني منه الطبقات الشعبية البائسة. وتدخل في هذا الإطار المعونة السنوية البالغة 1300 مليون دولار، التي تخصصها الولايات المتحدة للمؤسسة العسكرية المصرية.

وتفيد إحصائية غربية بأن الاقتصاد العسكري المصري، يبلغ نسبة 45% من حجم الاقتصاد الوطني العام، وكأنما في مصر دولتان. بطبيعة الحال، يرفض المجلس العسكري أي إشراف من السلطة المدنية على الاقتصاد العسكري.. بل ويرفض أيضاً مجرد اطلاع مؤسسات السلطة ـ كمجلس الشعب مثلاً ـ على أنشطة هذا الاقتصاد الموازي.

هكذا تتضح عناصر الصفقة على ناحية طرفها العسكري.. فماذا يربح الطرف الآخر؛ أي التنظيم «الإخواني»؟ والإجابة هي أن المجلس العسكري يدعم بكل ما لديه من نفوذ سلطوي، تحرك التنظيم للانفراد الاحتكاري للسلطة التنفيذية والانتشار في أجهزتها.

لكن قد لا تسير الأمور بسلاسة على الصعيد التطبيقي. والمشكلة الكبرى هي أن كلاً من طرفي الصفقة يخادع الطرف الآخر، حيث إن كلاً منهما يتشكك في النوايا المضمرة هنا وهناك، في ما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية والشخصية التي ينبغي أن تشغله.

ما يمكن استخلاصه هنا من تطورات الأحداث، هو أن الطرفين اتفقا من حيث المبدأ على أن يكون شاغل المنصب شخصية متفاهمة مع المجلس العسكري، أي أن تكون مقبولة لدى المؤسسة العسكرية. لكن الآن تقع مفاجأة لا يبدو أن الإخوان كانوا يتوقعونها.

فقد دخل على خط الترشيح الرئاسي اللواء عمر سليمان، أحد أركان نظام مبارك الذي ينتمي إليه أيضاً أعضاء المجلس العسكري. وليس من المتصور على الإطلاق ألا يكون العسكريون وراء هذا الترشيح. وبما أن عمر سليمان ليس مقبولاً على الصعيد الشعبي، فإنه لا ينبغي أن نستبعد احتمال تزوير الانتخابات الرئاسية على يدي المجلس العسكري، لضمان فوز اللواء رئيس المخابرات العامة في عهد مبارك، والذي يعد من الشخصيات السلطوية الأشد عداءً للإخوان.

صفوة القول إن قيادة الإخوان أرادت بدوافع الطمع، ممارسة لعبة مناورات لتضمن «التكويش» على أجهزة السلطة. وإذا كان هذا التصرف قد أدى بتنظيم الإخوان إلى فقدان مصداقيته لدى الشعب المصري، فإنه يعتبر أيضا أهم العوامل التي أدت ـ للأسف الشديد ـ إلى تصفية ثورة الخامس والعشرين من يناير.

 

Email