مصباح علاء الدين الفرنسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

معركة الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2012 تكاد تكون مملة جداً، والفرنسيون متذمرون من بلادة جو الانتخابات هذه المرة. فهُم كثيراً ما يقارنونها بانتخابات 2007 التي ارتفع فيها صوت سليل السيوف.

وسالت دماء الصحف السوداء. بعد أن شبع الفرنسيون من الديمقراطية أصبحوا يبحثون عن الإثارة. وهذا أمر مضحك. فالغرب بشكل عام كثيراً ما يبحث عما هو مثير، وعندما لم يجده في أدبه وتاريخه، بات يبحث عنه في أساطير الشرق وخيالاته، ابتداء من قصص ألف ليلة وليلة، ومصباح علاء الدين السحري، إلى طعامه وطريقة معيشته ودياناته وتاريخه وتوابله ومعابده.

وهذا ما يفسر هوس الغرب بالتراث الشرقي. البحث عن الخيال والإثارة. وهذا ما قد يفسر أيضاً الضجة التي أقيمت حول حادثة محمد المراحي، ذلك الشاب الفرنسي من أصول شرقية، الذي قدمها لهم على صحن من ذهب. ولا أحد يتصور أن تلك الحادثة قد مرت بسلام، وأنها كانت مجرد تصرف غير مسؤول من شخص خارج على المألوف، فلا شيء في الإرهاب يحدث بشكل غير مدروس.

هذه الحادثة التقطها اليمين بأسرع من خفة يد الجِنّي في أسطورة علاء الدين ومصباحه السحري. ووقف اليسار مبهوتاً أمام تلك الخطفة السريعة، والتي قلبت أرقام شركات الاستفتاءات العامة في فرنسا حول المرشحين للرئاسة. فها هو الرئيس الحالي الذي كان في مؤخرة الركب يجتاز كالبرق خصمه الذي اتفقت كافة الاستفتاءات قبل عدة شهور على ضمان اعتلائه عرش الجمهورية الفرنسية المقبلة. وها هو نيكولا ساركوزي من الأصول غير الفرنسية تماماً كمحمد المراحي ــ يقلب الموازين والقراءات ليحصد النقاط تلو النقاط ضد خصمه هولاند.

واليسار ما زال مبهوتاً، ويكاد العامل النفسي يؤثر في تحركه وردة فعله. ورغم محاولة اليسار وبعض الصحف الموالية له البحث عن فضيحة هنا وفضيحة هناك لإثارة الرأي العام ضد ساركوزي، إلا أن ذلك لم يعد بمستوى قوة الضربة التي وجهها اليمين، والتي انتهز فيها حادثة المراحي وما تبعها من توقيف بعض الشخصيات من الأوساط الإسلامية المتطرفة، والتي وُضعت على القائمة غير المرغوب فيهم في فرنسا، أو الذين تم إيقافهم رهن التحقيق للشك في التحضير لأعمال إرهابية في فرنسا.

ورغم نفْي السلطات الفرنسية الربط بين الحادثتين، إلا أنه من غير المنطقي ألا يستغل اليمين هذه الحادثة ــ الذي لم يصدق (المنّ) الذي نزل عليه من السماء ــ لإثارة خوف نسبة من المنتخبين المترددين حتى الآن في الاختيار. فشبح الإرهاب الإسلامي، والتطرف الإسلامي، والذبح الإسلامي، والتمدد الإسلامي في فرنسا، قد خيّم على جو الانتخابات الفرنسية 2012 (الباهتة).

وليس الأزمات الاقتصادية، وأزمة السكن، وأزمة البطالة وغيرها. وحاول اليسار إثارة فضيحة تمويل غير شرعية تمت لحساب حزب ساركوزي، والتي أطلق عليها فضيحة بيتانكور. وحاول قبل ذلك إثارة تهمة تمويل حزبه من قِبَل النظام الليبي السابق. وقبلها في شهر يناير الماضي أثيرت ضد ساركوزي فضيحة التورط في رشاوى تجارة الأسلحة (باكستان والمملكة العربية السعودية) عندما كان وزيراً للميزانية!

غير أن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن. ويجب أن نضع في الحسبان أن مجرد زيارة واحدة للرئيس نيكولا ساركوزي لتقديم واجب العزاء لأهالي ضحايا مجزرة تولوز، والتي راح ضحيتها ثلاثة أطفال يهود وحاخام، كانت كافية لتغيير كل المقاييس. وتم التستر على الفضائح. ولم يعد أحد يجرؤ على الكلام عن رئيس أخذ بثأر الجالية اليهودية في فرنسا في غضون ساعات، وقدم لها العزاء وخالص المواساة في مصابها الجلل، وكان وجهه يعبّر عن تأثره وحزنه وأسفه على جريمة المسلمين ضد اليهود.

وكأن كل شيء كان مخططاً له بدقة متناهية. فلعبة الانتخابات الرئاسية لا تشبهها لعبة في تاريخ البشرية. ولا تعرف هذه اللعبة المبادئ والأخلاق الإنسانية، مادام الكرسي هو الغاية. وكما علمهم مكيافيللي: فالغاية تبرر الوسيلة. مع أن من بين ضحايا محمد المراحي مسلمين قضوا قبل ذلك. ولم يقدم أحد لأهاليهم العزاء، ولم يتأثر أحد بمقتلهم.

على أية حال، كانت قضية المراحي، وما صاحبها من اعتقالات بين المسلمين المتشددين، أهم حدث يحرك المياه الساكنة والداكنة، وقضى على ملل المنتخبين خلال حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2012. ولعب الشرق وأساطيره مرة أخرى دوره بامتياز في تأجيج مخيلة الغرب. وصفّق اليمين المتطرف لهذا الدور كثيراًً، مع أن المستفيد الأخير هو حزب ساركوزي. وكما نعلم فإن اليمين المتطرف يتهم ساركوزي بأنه يسرق أفكاره المتطرفة.

وأن كسب الانتخابات الرئاسية لن تتأتى له إلا على ظهور الإسلاميين المتشددين ووصمة الإرهاب الملصقة بهم. تماماً كما تم انتخاب بوش للمرة الثانية على ظهورهم. غير أن ذلك خير لليمين المتطرف من تسامح اليسار مع المغاربة والمسلمين.

إن من يدفعون قيمة تذاكر حلبات الملاكمة أو المصارعة، إنما يدفعون قيمة الإحساس بالإثارة. حتى تحولت حلبة المصارعة إلى خشبة مسرح. وكذلك الحال هذه الأيام على حلبة مصارعة كرسي الرئاسة في فرنسا. فالمنتخبون يحتجون على الملل لانعدام روح الشرق وأساطيره المثيرة.

 

Email