الإرهاب والدعاية والابتزاز

ت + ت - الحجم الطبيعي

تفاجئنا وسائل الإعلام المختلفة، وعلى رأسها الفضائيات، من حين لآخر، بأعمال إرهابية وبصور مروعة تجعل كل واحد منا يتساءل عن أسباب الحادثة ومطالب أصحابها ولماذا؟ وكيف؟ وأين؟ ومن هم مدبرو العملية؟ وما الحل؟ ولماذا اللجوء إلى القتل والخطف والعنف، بدلاً من المفاوضات والحوار والعمل الدبلوماسي... الخ.

ويقوم الإرهابيون عادة بالجرائم وأعمال القتل والتخريب، وحجز الرهائن الأبرياء وخطف الطائرات، للضغط على الحكومات للاستجابة لمطالبهم وأهدافهم، وحتى يصلون إلى الرأي العام فإنهم يعتمدون على وسائل الإعلام التي تباشر في التهافت على نقل الوقائع والأحداث الإرهابية، والتفنن في تضخيم هذه الوقائع.

وفي نهاية الأمر نلاحظ أن العملية كلها دعاية ومحاولة للوصول إلى الرأي العام والعلنية، وتدويل لرسالة الإرهابيين الذين كانوا يعملون جاهدين على إيصالها للمسؤولين والساسة وصناع القرار والرأي العام محلياً ودولياً. ونلاحظ هنا أن الإرهابيين يستغلون وسيلة استراتيجية تتمثل في وسائل الإعلام، ويستعملونها كوسيلة للتواصل والتعبير عن مطالبهم وأهدافهم.

والإشكالية الصعبة التي تطرح نفسها على وسائل الإعلام هنا، ما العمل؟ وما هو الموقف الذي يجب اتخاذه؟ هل يجب القيام بالتغطية وعرض المطالب والأهداف، أم مقاطعة التغطية تماماً وتجاهل الأعمال الإرهابية؟ وإذا قامت المؤسسات الإعلامية المحلية بالمقاطعة، فهل ستتبعها وسائل الإعلام الأجنبية؟ وإذا لم تقم وسائل الإعلام بالتغطية فمن يضمن عدم تسرب الأخبار، خاصة أن الشبكات الاجتماعية والتكنولوجيا الحديثة للاتصال توفر كل السبل والوسائل لتبادل الأخبار والمعلومات، دون المرور بوسائل الإعلام التقليدية؟!

أسئلة كثيرة ومختلفة ومتشعبة، تمس جوانب تنظيمية وأمنية وأخلاقية، يجب أن تطرح بجدية وتُدرس بتأنٍّ لتجنب مشكلات قد تكون انعكاساتها وخيمة على المجتمع بكامله. الأمر معقد بالطبع، ويتطلب التنسيق مع أجهزة الأمن والحكومة لاتخاذ القرار السليم، ومحاولة المساهمة في إقصاء وتهميش أطراف تستعمل طرقاً غير أخلاقية لتحقيق أهدافها ومصالحها، على حساب أمن وسلامة الأبرياء.

ومن أهم الانتقادات التي وجهت لوسائل الإعلام في تعاملها مع الإرهاب، أنها أصبحت طرفاً مهماً في أزمات وعمليات الإرهاب، وأصبحت طرفاً يُستغل لخدمة مصالح وأهداف قد تتعارض تماماً مع الرسالة النبيلة للإعلام في المجتمع. فبقوتها وإمكانياتها الاتصالية الهائلة، تعطي وسائل الإعلام فرصة ذهبية للإرهابيين للوصول إلى ملايين البشر محلياً ودولياً، للتعبير عن ما يريدونه.

فالقنوات التلفزيونية، الفضائية والأرضية، تصعد الأزمات وتضخمها، وتزيد من هلعها وخوفها وقوة آثارها، وهذا من شأنه أن يخدم قضية الإرهابيين ويضع ضغوطاً كبيرة وقوية على الحكومة للتنازل والتفاوض من مركز ضعف، حيث إنه بعد التدويل والإثارة والتضخيم والتهويل، يجد صاحب القرار نفسه ضعيفاً أمام تأثيرات الرأي العام على الصعيدين الداخلي والعالمي. والوصول إلى الرأي العام الدولي يعتبر من أهم أهداف الإرهابيين، حيث تتحقق مهمة الوصول إلى المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم.

وهذه المعادلة الاستغلالية، تعتبر من الممارسات السلبية التي تقوم بها وسائل الإعلام التي تعتبر أنها تقوم بمهمة إخبار وإعلام الرأي العام بما يجري، معتبرة أنها تقوم بمسؤوليتها الاجتماعية على أحسن وجه، إلا أنها في آخر المطاف تخدم قضايا بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة ومصلحة المجتمع بأسره.

القرار هنا أخلاقي، ومن واجب وسائل الإعلام أن تتخلص من أي اعتبار تجاري أو أي فكر تنافسي أو أي سبق صحافي، لأن الموضوع أهم من ذلك بكثير، حيث يتعلق بأمن الدولة وسلامتها وسلامة سكانها، كما يتعلق بعملية ابتزاز واستغلال.

على مسؤولي وسائل الإعلام، النظر إلى ظاهرة التفاعل والتعامل مع عمليات الإرهاب بشيء من الحذر والحيطة والتعمق، لأن فكرة حرية الصحافة والتدفق الحر للمعلومات والطاعة العمياء لمبدأ حق الفرد في المعرفة، لا مجال لها عندما يتعلق الأمر بأمن المجتمع وسلامته.

المطلوب هنا هو وضع مقاييس صارمة للتعامل مع الأعمال الإرهابية، وإذا استطاعت وسائل الإعلام أن تهمش هذه الأعمال ولا تعطيها أية أهمية تذكر، فإنها تخدم بذلك المجتمع بأسره وتقصي الإرهابيين وأعمالهم. في هذه الحالة يجب أن لا تفكر وسائل الإعلام بمنطق الربح والتجارة والتنافس، ولا بمنطق الحرية وعدم تدخل الدولة في شؤونها الخاصة أو غير ذلك من الاعتبارات، لوضع قيود وتوجيهات للتعامل مع الإرهاب.

إن ضرورة تعاون أجهزة الأمن والحكومة ووسائل الإعلام في كيفية التعامل مع الإرهابيين وتغطية نشاطهم، مهمة جداً لتجنب عملية الاستغلال وتجنب الدعاية والتضخيم والإثارة. فتضافر الجهود يؤدي إلى نجاح احتواء الإرهاب وإقصائه إعلامياً، وهذا يعني موته، حيث إن الإرهاب من دون دعاية وإعلام لا يساوي شيئاً ولا يحقق أهدافه.

وبالنسبة للعديد من وسائل الإعلام، وخاصة تلك التي تركز على السبق الصحافي والإثارة وعلى بيع الغرابة والعنف والجريمة، فإن الإرهاب يعتبر مادة دسمة مربحة، تساعد المؤسسة على زيادة المبيعات وعدد المشاهدين، وجني أرباح طائلة في فترة وجيزة جداً.

فالإرهاب أصبح لغة هذا القرن وانتشر في جميع أنحاء العالم، بل أصبح الإرهاب اليوم من أهم اللغات والاستراتيجيات المستعملة في الدبلوماسية والسياسة الدولية، ودول العالم قاطبة مطالبة بالتنسيق والتعاون من أجل مكافحته على كل المستويات والجبهات ـ فكرياً، عقائدياً، أيديولوجياً، لوجستياً، مادياً، ودينياً ـ بغرض إقرار السلام والأمن في العالم. المسؤولية مسؤولية الجميع، فلا أحد في مأمن من بربرية وهمجية وغطرسة الإرهاب والإرهابيين.

 

Email