أميركا بحاجة إلى تغيير حقيقي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أستطيع التوقف عن التفكير في مقالة صحيفة «واشنطن بوست» الطويلة، التي تفصل انهيار مفاوضات تخفيض الديون بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس مجلس النواب جون بوينر. وكانت المقالة، التي كُتبت من قِبَل بيتر والستن ولوري مونتغومري وسكوت ويلسون، بعنوان «تطور أوباما: وراء الصفقة الكبرى الفاشلة بشأن الدَيْن»، ولكن كان من الممكن أن تحمل عنوان «تراجع أوباما».

لقد جاء أوباما إلى واشنطن واعداً بتغيير طريقة عمل النظام، ولكنه، في كثير من الحالات، بدا وكأنه يسمح لنفسه بأن يصبح أسيراً لشعارات واشنطن الأكثر تدميراً ورسوخاً.

ويتمثل أحد هذه الشعارات في فكرة «صفقة كبرى»، ثنائية الحزب يتحلى فيها زعماء واشنطن الجادون للغاية بالشجاعة الكافية لفعل الصواب فيما يتعلق بالاستحقاقات والميزانية، والوقوف ببسالة في وجه كبار السن، والطبقة الوسطى، والطلاب، وذوي الاحتياجات الخاصة، والفقراء العاملين، والأطفال «الذين يهيمن تأثيرهم فيما يبدو على نظامنا السياسي»، وإخبارهم بأن الحفلة قد انتهت.

وتفترض مقالة «واشنطن بوست» أن «الصفقة الكبرى» نفسها، بغض النظر تقريباً عن تفاصيل سياستها، هي في حد ذاتها أمر جيد. والتوصل إلى اتفاق «صفقة كبرى» هو في حد ذاته انتصار، لأنه يعني أن واشنطن تفعل شيئاً في الواقع. والسؤال الذي لم يتم طرحه هو، ما إذا كان هذا الشيء جيداً بالفعل بالنسبة لأميركا. لذا، وفقاً للمقالة، فإنه في حين كانت الصفقة الكبرى على الطاولة، كان أوباما «رئيساً غير أناني من الناحية السياسية، ومستعداً للترفع عن الخلافات الحزبية، واتخاذ خيارات صعبة من أجل مصلحة البلاد».

وعلى نحو مثير للقلق، فإن الرئيس أوباما نفسه صدّق تلك الافتراضات. في ذلك الوقت، كان الرئيس يسعى وراء الصفقة الكبرى، ويخوض مفاوضات متقطعة مع جون بوينر. ولكن ما لم يكن معروفاً هو مدى التزامه بإبرام الصفقة.

وشملت تفاصيل الصفقة تخفيضات حكومية بقيمة 1,2 تريليون دولار، وتخفيضات في زيادات تكلفة المعيشة في برنامج «الضمان الاجتماعي»، واقتطاع نحو 250 مليار دولار من برنامج «ميديكير» من خلال رفع سِن الأهلية، وعائدات ضريبية جديدة بقيمة 800 مليار دولار. وأخيراً، وليس آخراً، ولأن الصفقة لن تكون جدية للغاية إذا ما أثقلت كاهل الطبقة الوسطى والأسر العاملة فحسب، فإنه ينبغي لها أن تشتمل أيضاً على تقديم هبات هائلة للأغنياء في المقابل.

وفيما يبدو، فإن نقطة الخلاف الأكبر لم تتمثل في حقيقة أن الصفقة دعت إلى تقليص الميزانية على ظهور كبار السن، وأفراد الطبقة الوسطى، والفقراء، أو أنها قدّمت هبات هائلة للأغنياء، وإنما في العائدات الوهمية البالغة قيمتها 800 مليار دولار. ولكن، كما قال بيل دالي، رئيس الأركان الأميركي آنذاك، فإن «الجميع كانوا يقولون الصواب»، و«قد غادرنا شاعرين بالرضا بنسبة 80%». ويسهم وصف معظم تفاصيل تلك الصفقة بـ«قول الصواب» في تصوير كل ما هو خطأ في واشنطن. ويُعَد الرئيس الذي كان راضياً عن الصفقة بنسبة «80%» بعيداً كل البعد عن الرئيس الذي اعتقد معظم مؤيدي أوباما أنهم كانوا يقدمون له الدعم.

وتتابع المقالة موضحة أن الصفقة انهارت عندما حاول أوباما ضم عناصر من اتفاق ثنائي الحزب في مجلس الشيوخ تم طرحه خلال مفاوضات البيت الأبيض/ بوينر. ولكن، كما يشير تشيت، فإن الانهيار الحقيقي كان مرجحاً، لأن بوينر لم يحصل على أصوات أعضاء مؤتمره الحزبي من أجل صفقة شملت زيادات زائفة في العائدات. وهذا هو السبب في أن بوينر، في نهاية هذه العملية، وبعد أن وافق الرئيس أوباما على الاتفاق الأصلي، رفض الصفقة. ولحسن الحظ أنه فعل، لأن ثبات طلاب حزب الشاي المنتخبين حديثاً عاد بالنفع على البلاد في نهاية المطاف، وأنقذ أوباما من نفسه.

وبعد انهيار الصفقة، ركز أوباما على فرص العمل، ولكنه فعل ذلك بطريقة لم تكشف تماماً عن المسافة التي قطعها على طريق العناد الجمهوري. وقال الرئيس في خطاب أخير له حول سقف الديون، إن الصفقة باءت بالفشل لأن «عدداً كبيراً من الجمهوريين في الكونغرس أصروا على اتباع نهج مختلف، نهج لا ينطوي إلا على التخفيضات، ونهج لا يطلب من أغنى الأميركيين أو أكبر الشركات المساهمة بأي شيء على الإطلاق». ولكن، في الواقع، فإن ما يتضح من هذه المقالة أن الرئيس كان راضياً، أو على الأقل راضياً بنسبة 80%، عن عدم مطالبة أغنى الأميركيين بالمساهمة.

ومنذ ذلك الحين، واصل الرئيس السير بعيداً عن العجز باتجاه فرص العمل، وسمح لفريقه بأن يدرك ذلك مراراً. وهذا تصرُّف رائع، ولكنه أشبه بزوج يبحث عن التقدير لكونه مخلصاً، ليتضح فيما بعد أن السبب في إخلاصه هو أنه حاول أن يقيم علاقة ولكنه قوبل بالرفض.

لذا فإن الرئيس أوباما يركز الآن على مسألتي فرص العمل والنمو، فهل سيبتعد عنهما مجدداً في فترته الرئاسية الثانية؟ وهل سيعود الإغراء بالصفقة الكبرى؟ وفي حال حدث ذلك، فما هو حجم التضحيات التي يمكن لأوباما أن يقدمها في سبيل التوقيع عليها؟ لقد فعلنا ما طلبه منا في الحملة الأولى، وصوتنا بآمالنا، ولكن كم عدد الأميركيين الذين كانوا يأملون في الحصول على صفقة لا تُعتَبر كبرى إلى حد كبير؟

إن الأمل شيء رائع، ولكن ما تحتاجه أميركا في فترة أوباما الرئاسية الثانية ليس هو الأمل، ولكنه التغيير الحقيقي.

 

Email