بين حق تقرير المصير ووحدة الأراضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مبدأ تقرير المصير هو واحد من المبادئ الصارمة في القانون الدولي، وكان الخبير في القانون الدولي وولف جينج دانس بيك غروور، قد عبر عن ذلك بقوله «لا يوجد مبدأ بقوة حق تقرير المصير في حث الشعوب لتهتدي به في تحركاتها».

ولعل المدخل الأفضل لتجسيد مبدأ حق تقرير المصير بمعناه الأهم والأشمل، يتأتى من خلال عملية شاملة، من شأنها أن توفر مجالا واسعا لاختيارات الشعوب، استناداً إلى الظروف والمتطلبات والمصالح والشروط للأطراف المعنية بهذه العملية.

ولقد تمت صياغة مبدأ حق تقرير المصير لكافة الشعوب، بشكل واضح في القانون الدولي. وتضمنت المعاهدة الدولية لحقوق الإنسان، وإعلان وبرنامج فيينا، مبدأ حق تقرير المصير، وأكدتا على اعتباره جزءاً مكملاً لقانون حقوق الإنسان، الذي أخذ بعداً كونياً في تطبيقاته.

واعترف بحق تقرير المصير كشرط أساسي لتمتع الشعوب بحقوقها الإنسانية، وباعتباره من الحريات الأساسية على الصعيد المدني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. ومن المهم أن نلاحظ أن اعتراف القانون الدولي بحق تقرير المصير، جاء باعتباره عملية تتعلق بالشعوب أكثر منها بالدول والحكومات.

ويتضح في مجال التطبيق لحق تقرير المصير، مدى التحديات لمبدأ وحدة الأراضي الوطنية، وخاصة في ما يتعلق بإرادة الشعوب في تقرير حقوقها المشروعة، وتطبيقاتها في الاختيار الحر لدولهم وحدود أراضيهم الوطنية. ويقول خبراء القانون الدولي، وفق بيان هلسنكي الختامي لعام 1975 ومواثيق المحكمة الدولية، إنهم لا يجدون تعارضاً بين مبدأ تقرير المصير ووحدة الأراضي، وإن كانوا يعطون الأولوية للأخيرة.

وبناء على رؤية العالمين بوك كويك ورادان، هناك ثلاث نظريات للقانون الدولي تتصل بحق تقرير المصير. النظرية الأولى هي نظرية الليبراليين الدوليين الذين يسعون لمنع الحروب وإطلاق مزيد من الحريات للشعوب، وتوسيع نشاط السوق العالمي والتعاون عبر الحدود، وهؤلاء يقللون من أهمية وحدة الأراضي في سبيل السماح لاعتراف أكبر بحقوق أوسع للشعوب في تقرير مصيرها.

والنظرية الثانية تتعلق بأصحاب التوجهات الواقعية في العلاقات الدولية، الذين يرون أن السيادة الوطنية تحتل الأولوية على تقرير المصير، وتلك السياسات روج لها خاصة إبان الحرب الباردة.

والنظرية الثالثة هي للتيارات الكوزموبوليتنية التي تدعو إلى التغيير في ميزان القوى السياسية في العالم، وتعتبر تغيير الحدود أمراً إدارياً ليس من الصعوبة بمكان، ويدعم هذا التوجه في الأخير سياسات الأمر الواقع على مستوى تقرير المصير.

وكان المؤلف ألين بوخنن، الذي له العديد من المؤلفات حول حق تقرير المصير وقضايا الانفصال، قد تناول الموضوع من منطلق دستوري ديمقراطي، حيث تناول الجوانب التشريعية والأخلاقية على هذا الصعيد. ورجح أن الشعوب التي تدعو للانفصال على أساس حق تقرير المصير، ينبغي أن تكون دعواتها مشروطةً بمعاناة هذه الشعوب من غياب العدالة، وشريطة أن يكون ذلك هو الملاذ الأخير. وهناك دول لا تقر في دساتيرها بالانفصال ضمن مبدأ تقرير المصير، وتستعيض عنه بمزيد من اللامركزية أو الحكم الذاتي أوالنظام الفيدرالي.

وقد كانت فاطمة ضياء، المساعدة التنفيذية للأمين العام للأمم المتحدة، قد أشارت في المؤتمر الثالث لحق تقرير المصير والنزاعات الانتقالية، الذي عقد في جنيف في يوليو 2001، إلى «أن تقرير المصير، لكي يبحث في وحدة الأراضي الوطنية من عدمها بما فيها الحدود، يستوجب أولا تغيير أجندة الحوار في المؤتمر».

إن الآفاق التي يحملها مبدأ تقرير المصير، تطورت بشكل ملحوظ في القرن الماضي. فمنذ بداية القرن العشرين تنامى الدعم الدولي لحق الشعوب في تقرير مصيرها، مما قاد إلى نجاح كثير من الحركات في إعلان دولها خلال وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. وكذلك توفرت الظروف لإنهاء حقبة الاستعمار، عبر حركات التحرر والمطالب الشعبية التي انطلقت في الستينات من القرن الماضي، فنالت دول كثيرة استقلالها.

إن مصطلح تقرير المصير المعاصر، يميز بين تقرير المصير على الصعيد الداخلي أو الخارجي. فتقرير المصير على الصعيد الداخلي يشمل مختلف الحقوق السياسية والاجتماعية، في حين أن تقرير المصير على الصعيد الخارجي يشمل الاستقلال القانوني الناجز.

Email