تصاعد نسبة الإلحاد في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

نسبة الملحدين أو الكفار في الولايات المتحدة في ازدياد. بشكل أكثر دقة، فإن عدد الأميركيين الذين ليس لهم دين وصل في الأيام الأخيرة إلى رقم قياسي، حيث بلغ 19% من عدد سكان الولايات المتحدة الأميركية. بينما كان في الستينات لا تتجاوز نسبتهم الخمسة أو السبعة في المائة. وفي تسعينيات القرن الماضي بلغت نسبتهم 12%. ويقال: إن ربع الشعب الأميركي بات لا دين له. بالطبع فإن النسبة الكبرى من بين هؤلاء تقع في شريحة الشباب.

وبين هؤلاء من بدأ في التبشير بالكفر. بل إن هناك حزب الملحدين الوطني! وحيث إن أعدادهم في تزايد مستمر، فهذا يعني بأن الرقم قابل لأن يتضاعف مع مرور الوقت. وهذا يعني أننا لن ندهش من أن يحكم الولايات المتحدة الأميركية رئيس ملحد كما لم نندهش من أن يحكمها زنجي. ففي الولايات المتحدة الأميركية كل شيء ممكن.

إن هذا التحول الفكري والعقائدي له ما يبرره لدى هذه الشعوب البعيدة عن هموم الشرق. ولعب التقدم الحضاري والعلمي والتقني دوراً كبيراً في القضاء على دور الكنيسة. فمعظم هؤلاء الشباب الأميركي يعترف بأن العلم حل محل العقيدة وأن الإنجيل من تأليف البشر وأن الرسل والأنبياء من خيال القصاصين.

إن مجرد متابعة الجو العام الذي يعيشه الشباب في الغرب، يقدم لنا الأسباب الرئيسية وراء هذا التحول الخطير في عقيدة الشباب الأميركي. فقد تحول العالم بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى عالم يبحث عن غاية عليا: المال بشتى الوسائل. واكتشف الشباب الغربي بأن الوسيلة التي تعلمها لاكتساب المال تكمن في العنف أو الطرق غير المشروعة. وأن هناك مجموعة محدودة من البشر لا تمثل 1% تتملك 90% من ثروات العالم.

ثم وجد الشباب نفسه إما عاطل عن العمل أو منخرطاً في صفوف الجيوش التي تساق بعيداً عن حدود بلدهم بغرض شن حرب غير شرعية لا صلة لها بتهديد أمن الولايات المتحدة إلا من خلال الدعاية الإعلامية المضخمة لمحاربة معسكر الشيطان. ثم اكتشف بأن هذه الدعاية لا أساس لها من الصحة. وقرأ بأن الجيوش الأميركية ما هي إلا غزوات استراتيجية ذات أغراض مادية بحتة تتخفى تحت أقنعة الحروب الدينية. ورأى نتائج الجريمة في عيون الأطفال والشيوخ والنساء تحت قنابل التحالفات الغربية دون أدنى رحمة ولا إنسانية.

ثم اكتشف بعدها بأن هذه القنابل يدفع هو وجيله من الشباب فواتيرها من خلال الضرائب التي يدفعونها للمصانع الحربية ابتداء من الطلقات النارية إلى القنابل العنقودية إلى الصواريخ التي تخترق الأرض اختراقاً. ثم أصبح يشاهد جنود وطنه بالآلاف يذهبون إلى كابول أحياء ويعودون في نعوش يغطيها علم الولايات المتحدة الأميركية.

وعندما يتحدث مع أبويه، يخبرانه بأنه لا بد من القضاء على هذه الكائنات السامة التي لا ترقى إلى مستوى البشر والتي تعيش فيما يطلق عليه العالم الثالث.

ويشاهد أبويه يذهبان للكنيسة بانتظام. فيقع في هذا التناقض بين ما يراه وما يسمعه. بين تعاليم المسيح عليه السلام وبين ما تصنعه دولته باسم المسيح.

واكتشف بعد ذلك بأن هناك لوبي صهيونياً يعمل في مغارات مظلمة لتحقيق مآربه. وعرف بأنه لولا أموال دومينيك شتراوس كاهن وسلطة اللوبي الصهيوني لما استطاع أن ينفذ من زنزانته. فلم تعد هناك أي عدالة سماوية ولا عدالة أرضية. ولم يجد طريقاً سوى طريق الإلحاد يؤمن به. وعندما تنعدم الأخلاق والقيم، تضعف النفوس ويضعف إيمانها بالخالق ثم تنقطع هذه الصلة تدريجياً.

لقد تحولت حياة الشباب الغربي إلى حياة مادية بحتة، تبحث عن ملذاتها وصخبها لنسيان واقعها أو الهرب من تململها. وهذه الظاهرة ليست بجديدة، فقد عرفها وفلسفها الوجوديون في القرن الماضي. غير أنها عاودت شباب الغرب بقوة أكبر هذه المرة. وبين هؤلاء وهؤلاء هناك فئة من الشباب الغربي عندما فقدت صلتها بالكنيسة بحثت عن ملجأ في المعتقدات الشرقية كالبوذية وغيرها. ومنهم من وجد في الإسلام أمناً وواقعية وصدق لم يجدها في دين آبائه. ولكن هؤلاء ما زالوا في منتصف الطريق، واصطدمت مسيرتهم بصفة الإرهاب التي الصقت بالإسلام الذي هو منها براء.

إن تزايد نسبة الإلحاد بين شباب الغرب بدأ يشكل هاجساً للكنيسة التي ظلت عاجزة عن تقديم الحلول العملية والمقنعة للإيمان بالخالق. خاصة بعدما اكتشفت كثير من التجاوزات الأخلاقية تحدث في داخلها.

غير أن «الدودة باتت في الفاكهة» كما يقول المثل الفرنسي. أي أن الوقت أصبح متأخراً لمعالجة الأمر. وهذه الظاهرة سوف تتعاظم. والسبب يعود إلى سوء استخدام الدين وسوء النية.

هذا المثل يجب أن يعتبر منه المسلمون. فهم أيضاً بشر كغيرهم من البشر. والإعلام الغربي غزا الشباب المسلم منذ زمن بعيد، وبدأ يتسلل إلى عقولهم وتفكيرهم. وإن اتبعنا (ريجيم) الغرب في الحياة اليومية واستخدمنا الدين والاعتقاد بالله كوسيلة لتحقيق غاية دنيوية ووضعنا مبادئنا تجرها أهواؤنا وانقسمنا إلى أحزاب وفرق تعلكها الحروب الطائفية، فلا يجب علينا الندم غداً إن ابتعد شبابنا عن أعظم دين عرفه تاريخ البشرية، دين محمد «صلى الله عليه وسلم». ولا يخفى على أحد بأنه لا يوجد أعظم خطر على بقاء أمة من الأمم سوى الانشقاقات الطائفية التي أودت بغيرها من الحضارات.

Email