البقر ومعركة الرئاسة الفرنسية المقبلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

لأول مرة نسمع بانتخابات رئاسية يدخل فيها البقر طرفاً مهماً. وربما حددت «لا فاش كي ري» وهي علامة البقرة الضاحكة الفرنسية، مسبقاً من سيفوز بالرئاسة في انتخابات الرئاسة الفرنسية المقبلة. بالطبع نحن لا نضحك ولا نمزح هنا. فمسألة الانتخابات لا مجال للضحك فيها ولا للمزاح. فالأمر حقيقي مئة في المئة. والصحف الفرنسية لم تعد تتحدث سوى عن هذه المعضلة. ومن لا يصدق عليه أن يتابع صحيفة اللوموند الشهيرة.

بالفعل، فالصراع بين الحزبين اللدودين، اليمين الحاكم واليسار المعارض في فرنسا، انتقل من القضايا المصيرية المهمة كالاقتصادية والاجتماعية والبطالة وغيرها إلى مسألة البقر ومن هي على شاكلتها. وبشكل أكثر دقة، موضوع «الذبح الحلال».

أنا لست متأكداً، ولكني أتصور أن العرب المشغولين هذه الأيام بالربيع العربي وإحصاء عدد الضحايا الأبرياء الذين يذبحون من الوريد إلى الوريد في سوريا، غير مكترثين لما يحدث في ساحة الانتخابات الفرنسية أو حتى الأميركية.

وربما لم يسمعوا عن قضية الذبح الحلال هذه التي شغلت الرأي الفرنسي منذ فترة طويلة.

والقصة بدأت عندما ادعت مارين لوبين (ليس لها أي علاقة نسب مع أرسين لوبين، شخصية اللص الظريف التي اخترعها الكاتب الفرنسي موريس لوبلانك) مرشحة حزب اليمين المتطرف، بأن 100 في المئة من اللحم المذبوح في باريس وما حولها (أو ما يطلق عليها جزيرة فرنسا) قد تم على الطريقة الإسلامية. أي أن الفرنسيين المسيحيين الذي يقطنون في باريس وما حولها يأكلون لحماً مذبوحاً وفق الشريعة الإسلامية.

مع أننا لا نعلم ما الخطورة في الأمر أكثر من أنه اختلاف لا يتعدى طريقة تصفية الضحية التي سنلتهمها فيما بعد؟ حيث يمارس القصابون الفرنسيون أسلوب (قتل) ضحيتهم بالصعقات الكهربائية، بينما يقوم المسلمون بالنحر الرحيم. وأن الصعقة الكهربائية لمن جربها قد تبدو أكثر وحشية من الذبح لمن لم يجربه.

وبمجرد ما سمع الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي بالرقم الذي أذاعته مرشحة اليمين المتطرف، حتى صعقها بدوره باتهامها بالكذب والمبالغة.

هذا كان قبل فترة من الزمن. وعندما دخل المرشحون للرئاسة حلبة الصراع، لم يخف الرئيس الفرنسي اهتمامه بقضية طريقة ذبح البقر. فصرح في أحد مهرجاناته الانتخابية في شهر فبراير الماضي بأن ما بين المائتي ألف (200.000) طن المستهلك من اللحوم في باريس وما حولها، لا يمثل منه اللحم المذبوح حلالاً أو على طريقة الديانة اليهودية، سوى اثنين ونصف (2.5) في المئة فقط. وطلب غلق هذا الملف لأنه لا يرقى إلى مستوى الانتخابات الرئاسية في فرنسا.

غير أنه سرعان ما أخبره مستشاروه بأن هذا الموضوع البقري يستحوذ على اهتمام 56 في المئة من الفرنسيين!! عالم فاضية! وسرعان ما سال لعاب الرئيس الفرنسي المرشح للانتخابات المقبلة أمام هذه الأرقام.

وإذا بوزير الداخلية الفرنسية كلود جيان والمكلف من قبل الرئيس بالاهتمام بقضايا الهوية والهجرة سرعان ما أعلن بأن منح حق التصويت للأجانب في الانتخابات الإقليمية الذي ينادي به اليسار قد يؤدي إلى أن تفرض الجالية المسلمة بيع الأغذية الحلال في مقاصف المدارس! هذه التصريحات دفعت بالمتحدثة الرسمية للرئيس ساركوزي، ناتالي كوسي يوسكو ـ موريزيه، أن تسد أنفها هرباً من رائحة هذه الطبخة. ما اضطر الرئيس الفرنسي أن يقر شخصياً، بأنه لم يعد من قضية تشغل بال الفرنسيين سوى (هام) اللحم الحلال!

القضية أخذت بعداً أكبر، ووصلت إلى تصريحات غير مسؤولة من قبل رئيس الوزراء وتسللت إلى مقر رئاسة الوزراء الذي طلب الالتقاء بممثلي كل من الجاليتين المسلمة واليهودية لتوضيح الأمر.

وفق آخر الدراسات والإحصاءات التي تجري عادة أثناء الانتخابات، فإن موضوع اللحم الحلال بات يشكل ثاني أهم موضوع يشغل بال الفرنسيين والمرشحين بعد موضوع رفع نسبة الضريبة إلى 75 في المئة على الدخل الذي يزيد على مليون يورو المقترح من قبل فرانسوا هولاند المرشح عن حزب اليسار للانتخابات الرئاسية المقبلة.

لنكن واقعيين، الأمر أكبر بكثير من مسألة ذبح على الطريقة الإسلامية، وإنما هي في أساسها قضية سياسية. طرحها اليمين المتطرف بعنصريته المعروفة ثم تناولها اليمين ــ حين شعر بتقدم اليسار ــ للضرب على الوتر الحساس الذي بات يقلق الفرنسيين أمام ظاهرة تزايد أعداد المسلمين في فرنسا الذين باتوا يشكلون ما نسبته 9 في المئة تقريباً من سكان فرنسا البالغ عددهم 63 مليون نسمة.

لا توجد حتى الآن أرقام صحيحة لعدد المسلمين في فرنسا، وسبب ذلك يعود إلى أن القانون الفرنسي يحظر منذ عام 1872 التعرض لمسألة الدين والنسب والأصل أثناء عملية إحصاء عدد السكان. ما يعني أن العدد الحقيقي أكبر بكثير.

الانتخابات الفرنسية على الأبواب، والكل أصبح يستجدي أصوات الناخبين بشتى الوسائل الممكنة الشريفة منها وغير الشريفة.

وهكذا، سيحسم موضوع ذبح البقر من سيفوز برئاسة الجمهورية الفرنسية في الانتخابات المقبلة في شهر مايو...

من سيذهب للسياحة في فرنسا، ننصحه بتذوق أشهى الأطباق الفرنسية: حساء ذيل البقر...

Email