متى يأتي ترياق المصالحة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

سؤال المصالحة الفلسطينية تحول من سؤال يتصل بملف مهم يحتل مكانة الأولوية إلى سؤال يتندر بشأنه المواطن، ويثير الإحباط لدى السياسي والنخب بمختلف أشكالها وألوانها، فيما يدور سؤال الجهة التي تتحمل مسؤولية التعطيل دون أن يجد له جواباً سوى في تصريحات المسؤولين في كل من فتح وحماس الذين يتقاذفون الاتهامات بشأن هذه المسؤولية.

 قبل أيام قليلة يكون قد مر على توقيع إعلان الدوحة شهر بطوله، وخلاله جرى لقاء آخر في القاهرة، جمع الموقعين على الإعلان، ونقصد الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، بالإضافة إلى عشرات القادة من الفصائل والمستقلين، في إطار المرجعية القيادية المؤقتة لمنظمة التحرير الفلسطينية، غير أن الأمور لم تتحرك، بل زادت هذه اللقاءات المزيد من الغموض والإحباط.

بعد إعلان الدوحة، ظهرت اعتراضات علنية من قبل قيادات حمساوية، أساسها سياسي تنظيمي، يختفي وراء أسئلة مشروعة تتعلق بطبيعة البرنامج السياسي للحكومة المنتظرة، إن كان برنامج الرئيس باعتبارها حكومته، أو إن كانت دون برنامج، وتقوم بمهمات تنفيذية محددة في الوثيقة المصرية، بالإضافة إلى الاعتراض القانوني الوجيه الذي يتصل بعدم جواز تحمل الرئيس رئاسة الحكومة بحسب النظام الأساسي الفلسطيني.

حين تم لقاء عباس ومشعل في الدوحة، وصدر عنه ما يعرف بإعلان الدوحة، تولد لدى الكثيرين أمل بأن الرعاية المصرية والقطرية تؤمن إمكانية انطلاق قطار المصالحة، واتضح بشكل حاسم أن الأمر لا يتعلق بالوساطات ولا بالعواصم، بقدر ما أنه يتعلق بتوفر إرادة وطنية فلسطينية قادرة وراغبة في إنهاء حالة الانقسام المرير.

ولو بالحدود الفوقية التي ترسمها الوثيقة المصرية التي تم التوقيع عليها قبل أكثر من عشرة أشهر. وقد اتضح لاحقاً أن إعلان الدوحة الذي نص على أن يتحمل الرئيس محمود عباس مسؤولية تشكيل ورئاسة حكومة الكفاءات المستقلة، لا يكفي لإنهاء الاعتراضات التي تحول دون تحقيق المصالحة، مما يعني أن ثمة حاجة لمزيد من الحوارات وربما مزيد من الإعلانات والمواثيق.

وأكثر من ذلك، فقد اتضح جليا، أن تطبيق اتفاق المصالحة بجزءيه الأساسي الذي تتضمنه الوثيقة المصرية، والثانوي الذي يتضمنه إعلان الدوحة، نقول إن تطبيق اتفاق المصالحة، لا يمكن أن يتم إلا في إطار رزمة كاملة، تبدأ من تشكيل الحكومة. عبثاً حاول المتحمسون من مسؤولي وأعضاء اللجان الفرعية للمصالحة.

وهي لجنة الانتخابات ولجنة الحريات ولجنة المصالحة الاجتماعية... عبثاً حاول هؤلاء، تحقيق تقدم في عملية التنفيذ لما يتم الاتفاق عليه، إلى أن تعطلت كلياً، بسبب تعطل رأس قطار المصالحة. على أن كل هذا الذي يجري، ويستنزف المزيد والكثير من الوقت، قد وضع المراقبين أمام احتمالين متوازيين، وكل حسب الزاوية التي يجري من خلالها تقييم ما يحصل.

فالبعض يرى أن إرادة التعطيل أقوى من إرادة تحقيق المصالحة، فيما يرى آخرون أن ما يجري لا يدل على عملية فشل المصالحة، بقدر ما أنه يدل على أن العملية بحد ذاتها وحتى تنجح، تنطوي على عملية تكيف متدرجة، لنقل الأطراف من حال الانقسام إلى حال التوافق والمصالحة. هذا يعني أن عملية مصالحة ينبغي.

وان تتم، داخل كل من حركة حماس، وحركة فتح، ذلك أن المصالحة تعني الحاجة لتقديم تنازلات من قبل الطرفين حتى يقفا على مربع واحد سواء بالمعنى السياسي، أو السيكولوجي، والإداري والأمني.

ربما كان الوضع في حركة حماس، يشير بوضوح أكبر الى طبيعة هذه العملية، فلقد استمرت الخلافات علنية رغم كل المحاولات التنظيمية التي حرص من أجل تسويتها، تلك الخلافات الناجمة عن اختلاف الرؤى بشأن مستقبل الحركة، في إطار الوضع الفلسطيني. ثمة من يرى داخل حركة حماس، أن الربيع العربي الذي يحمل بشائر شتاء إسلامي يشكل مصدر قوة إضافية للحركة، لا يجوز معها تقديم تنازلات لصالح حركة فتح التي يترتب عليها أن تدفع ثمن فشل خيارها التفاوضي.

وعلى نحو آخر يرى فريق في الحركة أن الشتاء الإسلامي يشجعها على الاندماج في الحركة السياسية الفلسطينية، بما يؤهلها من قيادة هذه الحركة، والسيطرة على المؤسسة الوطنية الفلسطينية والتحكم بقرارها، مما يستدعي قدراً من المرونة في التعامل مع موجبات إنجاح المصالحة الوطنية. ولتفسير الخلافات الظاهرة داخل حركة حماس.

ولم تعد خافية على أحد، تداخل الخلاف بين هذه الرؤى، مع ما يترتب من تغيرات في موازين القوى الداخلية، نظراً لتأثير التغيرات العربية على مركز القرار القيادي في الحركة، الذي كان ومازال خارج الأراضي المحتلة. وإذا أضفنا لهذه العوامل، ما يقال حقيقة عن وجود جماعات لدى الطرفين في الضفة وغزة، لا ترى لها مصلحة في تحقيق المصالحة، فإن التعثر الذي تواجهه عملية المصالحة، يصبح أمراً مفهوماً، ويحتاج إلى تفهم وروية عند إطلاق الأحكام بالإيجاب أو بالسلب.

خلال الأيام الأخيرة، أوقعت التصريحات المتضاربة التي أطلقها مسؤولون من حركة فتح وحماس بشأن تشكيل الحكومة، وارتباط ذلك بالاعتراض الإسرائيلي على إجراء الانتخابات، نقول إن هذه التصريحات أوقعت الكثير من الإرباك، حتى لم يعد ممكناً حتى للقريبين من مستويات القرار، التوصل إلى حقيقة العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة. كانت ومازالت أسوأ التغيرات، تلك التي ترهن تشكيل الحكومة بتذليل العقبة الإسرائيلية بشأن الانتخابات، ذلك أن مثل هذا الربط أولاً، يختصر المصالحة بموضوع واحد وهو الانتخابات، وثانياً لأنه يربط المصالحة بالإرادة الإسرائيلية.

وهو أمر لا يتفق وأبسط معايير الوطنية، فضلاً عن أنه ينزع عن المصالحة بعدها الصراعي مع الاحتلال. في الواقع، إن المصالحة الوطنية تنطوي على أبعاد تكتيكية واستراتيجية وتشكل ضرورة ملحة لإنقاذ الحقوق الفلسطينية، سواء جرت الانتخابات أو تعطلت.

هذا بالإضافة إلى أن موضوع الانتخابات بحد ذاته يشكل عنواناً نضالياً، حيث انه على الفلسطينيين المتحدين أن يخوضوا معركة تحدي الإرادة الإسرائيلية، وإرغامها على الخضوع للإرادة الفلسطينية. إن الأيام والأسابيع والأشهر التي تستغرقها عملية المصالحة، بما تنطوي عليه من عمليات تكيف.

وتغيير، ينبغي أن تستثمر في تفعيل مناخات التحدي لسياسات الاحتلال التي تتسم بخطورة بالغة في الضفة والقدس، بما يجعل من هذه المصالحة، تتويجاً لسياق نضالي فلسطيني يؤسس لاستعادة الوحدة على أسس صلبة وكفاحية، بعيدة عن الانقسام والتحاصص، والمصالحات الفوقية التي تكون أكثر عرضة للانتكاسات والتراجع إلى مربعات الانقسام.

 

Email