الرجل الخارق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعتبر السوبرمان أو الرجل الخارق شخصية خيالية أميركية الصنع كان الهدف منها تأكيد وجود أبطال خارقين قادرين على تغيير موازين القوى في أي وقت من الأوقات، وبما أن الحقوق محفوظة للأميركان فقد تم تصوير القوة الأميركية على أنها قوة الخير في مواجهة قوى الشر التي لابد أن تنتصر طال الزمان أم قصر.

وقد تجلى ذلك من خلال كتب وقصص الأبطال الخارقين التي تم تأليفها إضافة إلى عشرات الأفلام السينمائية التي أنتجت وعرضت على مدى عقود من الزمن. وقد تأثر العرب كثيراً بهذه الشخصيات الخارقة على اختلاف أشكالها، بل إن العرب صاروا أكثر تصديقاً وإيماناً بها من الشعب الأميركي نفسه، فتقمصنا هذه الشخصية بطريقة مختلفة.

وإن كانت لا تخرج عن مضمون الرجل الخارق، السوبرمان في الدول العربية يختلف بعض الشيء عن السوبرمان الأميركي أو الغربي، فإن كان في أميركا خارقاً للعادة بقواه الفتاكة ومحاربته لقوى الشر على الأرض والفضاء معاً، فإنه في العالم العربي خارق للعادة بقدرته على النجاح في إدارة عشرات المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والخاصة والخيرية وتولي مسؤوليات لا تخطر على البال.

تبدأ نظرية الرجل الخارق عند العرب بنجاح مسؤول ما في إدارة مؤسسة معينة، بعدها بفترة ينال الفرصة لإدارة مؤسسة أو دائرة أخرى، فيحقق نجاحاً آخر، لتتوالى بعدها النجاحات على أساس انه فلتة زمانه.

وما في بالبلد غير هذا الولد، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النجاحات قد تكون مرتبطة ببيئة العمل نفسها مع وجود فريق عمل ممتاز يساعده في هذا النجاح، بعدها تُروج فكرة بأن الرجل الناجح يستطيع إدارة العديد من المناصب وإن تعددت وتمددت بحيث لا يستطيع معرفة عنوان جميع تلك المؤسسات التي يديرها من كثرتها واختلاف عناوينها.

بعدها تأتي المرحلة الشديدة الخطورة والتي غالباً ما تكون مرحلة الانتكاسة والتخبط والسقوط إلى الهاوية عندما لا يستطيع هذا الرجل الخارق متابعة جميع المؤسسات التي تنطوي تحت مسؤوليته، فتتشتت جهوده ذات اليمين وذات الشمال وتضيع تلك الجهود هباءً منثوراً.

وفي أحيان أخرى كثيرة الحدوث لا شأن لها بتعدد المسؤوليات بل تحدث بفعل إصابة الرجل الخارق بداء العظمة ليبدأ بعدها بالانتفاخ أكثر من اللازم، يصعد ذلك البرج العاجي لا ينزل منه معتقداً بأن قراراته إن هي إلا وحي يوحى فيستمر في عناده على الخطأ.ولا يعترف بأي تقصير حتى لو أجمع كل من في المعمورة على ذلك.

وإذا ما تحدثنا عن هذه التجربة في دولة الإمارات أستطيع تقسيمها حسب وجهة نظري المتواضعة إلى مرحلتين، المرحلة الأولى بدأت مع منتصف التسعينات عندما تسارعت وتيرة التقدم في الدولة بصورة كبيرة من خلال المشاريع العديدة والطفرة الاقتصادية الهائلة، إذ كان لابد في هذه المرحلة من وجود أصحاب الخبرات والأفكار المميزة التي تستطيع إدارة مشاريع تلك الطفرة سواء كانت حكومية أو شبه حكومية.

وتحتم آنذاك إنشاء عدد من المؤسسات والدوائر المتخصصة لمتابعة المستجدات وبما يخدم عجلة التقدم، فتميزت تلك الفترة بنجاحات كانت واضحة للعيان فصارت دولة الإمارات العربية المتحدة مثالاً يحتذى به في الانجازات والمبادرات على كافة الأصعدة والميادين.

بعدها كانت المرحلة الثانية التي بدأت مع منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة أي قبل سبع سنوات تقريباً، إذ تميزت هذه المرحلة باستمرار المشاريع وتوسع المؤسسات والشركات وزيادة المسؤوليات، فلم يعد باستطاعة الرجل الخارق متابعة كل تلك المسؤوليات الملقاة على عاتقه في آن واحد اذ لكل نفس بشرية طاقة لا يمكن تجاوزها، وهذا بطبيعة الحال افرز العديد من السلبيات تمثلت في سوء إدارة البعض، وطفت على السطح قضايا الاختلاسات المالية وحدث تباطؤ في تنفيذ عدد من المشاريع وهدر للمال العام.

وبناءً على ما أفرزته هذه المرحلة من بعض السلبيات التي لم تؤخر عجلة التقدم حصل التغيير على أعلى المستويات لتصحيح تلك الأخطاء التي وقع فيها الرجل الخارق، فقد أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي على ذلك بقوله في هذا السياق: «نريد ضخ الأفكار الجديدة في شرايين الدوائر»، فصار البقاء للأصلح على رأس أي دائرة حكومية أو خاصة بغض النظر عن تلك الأسماء التي كانت تحتل الصفحات الأولى من الصحف.

وكانت النتائج واضحة بعد ظهور العديد من الوجوه الشابة التي ساهمت في إعادة التوازن إلى هذه المؤسسات بتوليها مسؤوليات جديدة من واقع الخبرة التي اكتسبتها خلال السنوات الماضية. ويأتي ذلك في سياق ما يؤكد عليه سموه دائما في قوله: «في سباق التميز ليس هناك خط للنهاية».

حقيقةً لا يمكن إنكار الطفرة الهائلة وكل ما تم انجازه في السنوات الماضية من قبل الذين عملوا بجد وإخلاص طوال فترة وجودهم، إلا إن هذه التجربة القصيرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن لكل إنسان طاقة معينة لا يستطيع تجاوزها مهما آتاه الله من عبقرية وقوة وبعد نظرٍ في آن واحد.

Email