لمن تقرع طبول الحرب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

من يداه في الماء ليس كمن قدماه في النار. وحين نقرأ أو نسمع عن دول تدكها الحروب بعيداً عنا دكاً، فإنه رغم تضامننا مع أهلها إلا أننا لسنا هم.

 وعندما كانت الطائرات الحربية الأميركية تصب جام غضبها على أفغانستان بشتى أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، كان العراقيون يتألمون لهم، وعندما كانت آلة الحرب الإسرائيلية تطحن أطفال جنوب لبنان، كان أهالي غزة يعايشون مآسي الأحداث التي تصل إليهم على شاشات التلفزة، دون أن يستطيعوا أن يحركوا ساكناً. في الواقع، هناك فرق بين من يعيش الألم ومن يعايشه.

وعندما دكت نفس الآلة الحربية الأميركية بعد ذلك، العراقيين بصواريخها الذكية التي تطلق عن بعد، عاش العراقيون مرارة الحرب في أفغانستان، وتذكروا آلام الأفغان ومصائبهم. وعندما تطايرت أشلاء أهالي غزة تحت القنابل الفسفورية الإسرائيلية، أحسوا بما أحس به أهالي الجنوب اللبناني قبلهم.

باختصار، فإن من لم يعش لحظة الرعب والألم والصدمة الكبرى عندما تنفجر الحروب، فإنه من السهل جداً أن يتحدث عنها ويدق طبولها، وكأنها واحدة من ألعاب التسلية الرخيصة.

ومنذ فترة زمنية ليست بالقصيرة، بدأنا نشعر باقتراب المحنة من منطقة ظلت خضراء، رغم اللون الأحمر السائد، والتي لطالما انحنت للرياح حتى لا تكسر، وتنازلت مغمضة العينين حتى لا تسفك الدماء على أراضيها الطيبة، منطقة لم تعش مأساة الأفغان ولا جراح العراق ولا عويل الفلسطينيين ولا مذابح اللبنانيين، الذين لم تقم لهم قائمة منذ أول طلقة أطلقت عليهم. واليوم بدأنا نسمع دقات طبول الحرب تقترب من بيوتنا التي طالما نامت آمنة مطمئنة، وبدأنا نسمع آخرين يتمنون قرب وقوعها ووجوب حدوثها، لأنهم باختصار لم يكونوا في يوم من الأيام طرفاً في حرب العراق ولا في أفغانستان ولا في فلسطين ولا في جنوب لبنان، إلا على شكل متفرج غير عابئ.

لا أحد يستطيع أن ينكر أن لإيران أطماعاً، كما لتركيا وللولايات المتحدة ولإسرائيل ولفرنسا أطماعاً مشابهة في المنطقة. ولا أحد يقبل ولن يقبل أن تتدخل إيران أو غيرها في تحديد مصير ومستقبل المنطقة، بأي شكل من الأشكال. ولا أحد يوافق على استمرار الجمهورية الإسلامية في عنادها وتحديها للمجتمع الدولي، الذي هو بالدرجة الأولى تحد صارخ لغطرسة الولايات المتحدة الأميركية التي ترسم سياستها الخارجية إسرائيل، من خلال استمرارها في تطوير برامجها النووية بدعوى أنها سلمية.

ولا أحد يريد لا في المنطقة ولا في غيرها، أن تفرض الجمهورية الإسلامية في إيران أفكارها على شعوب تؤمن بغير فكرها. غير أن هذا الرفض أمر، والحرب أمر آخر. والحرب لم تحل قضايا الدول، بل زادتها تعقيداً.

معظم المؤشرات تدل على اقتراب حدوث أمر خطير للغاية، لا يعلم متى تحين ساعته إلا الله.

فإسرائيل ترى، وللأسف الشديد يتفق معاً في الرأي الكثيرون من المسلمين ومن الدول العربية، بل من دول المنطقة التي أصبحت في دائرة الخطر، ترى ضرورة توجيه حقنة مشلة لحركة هذه الجمهورية التي برزت بعد حرب العراق كقوة تخطط لزعامة الأمة الإسلامية، وتظن أنه لن يتسنى لها تحقيق هذا الحلم التاريخي إلا من خلال إزالة دولة إسرائيل من على الخريطة، كما هو واضح من تصريحات كبار قادتها.

وبقدر ما أن هذه الحرب إن وقعت، ستصب لصالح إسرائيل التي تبحث عن كل السبل لتشل حركة إيران بقدر ما هو مدمر لأهالي المنطقة برمتها. فما من دولة تقلق إسرائيل بعد أن تزعزعت الأوضاع في سوريا، سوى هذه الجمهورية المشاغبة بوعيدها المتواصل بمسح إسرائيل من الخارطة.

والحقيقة أن قلق إسرائيل المتزايد في الآونة الأخيرة، مع تغيير الأنظمة في بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر، ليس قلقاً من الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تسابق الزمن لامتلاك القنبلة النووية، بل من أن تنجح إيران في أن تشكل حولها حلفاً إسلامياً متطرفاً (يضع المذهبية ولو بشكل مؤقت جانباً) في مواجهة إسرائيل.

وتأكد لها ذلك من الموقف المتعاطف لقادة النظام الإيراني مع ثورة الشباب في مصر التي اعتبروها امتداداً للثورة الإسلامية في إيران، وما لوحظ من تحسن العلاقات مع إيران مباشرة بعد سقوط مبارك.

وها هي مصر تسمح اليوم للسفن الحربية الإيرانية بالمرور عبر قناة السويس في اتجاه سوريا! فلدى إسرائيل ما يكفي من الدواعي المنطقية لضرب الجمهورية الإيرانية قبل فوات الأوان، ولخلق جو من التوتر العالي في المنطقة تحذر به إسرائيل كل من تسول له نفسه تهديد أمنها.

إن المسألة ظلت مجرد مسألة وقت، ونقطة الصفر في علم الغيب. والتحذير الأميركي الحالي من مغبة مثل هذه المغامرة، لن يطول إن تورطت إسرائيل في أي عمل عسكري ضد إيران. وسيكون الأمر جبراً لا اختياراً أن تدخل الولايات المتحدة في هذه الحرب.

أما ردة فعل إيران، فلن تتجاوز محيط دائرة الخليج، حيث تتمركز القواعد العسكرية الأميركية وأساطيلها ومشاريعها وشركاتها وأفرادها. بكلمة أخرى: نحن.

لذا، فإن من يقرع طبول الحرب في المنطقة أو يدعو لها من سياسيين وعسكريين ومثقفين، أو يدفع إليها، بغرض إبعاد شبح التمدد الإيراني، سوف يكون أول من يدفع ثمن هذا الحماس الحربي. وكما اكتوت أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين بنيران الحروب، سوف يكتوي بها أهل هذه المنطقة الذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل.

إن الحروب التي تشنها القوى الكبرى، هي حروب حلزونية الشكل لا نهاية لها، وعلينا أن لا ننتظر نتيجة الاعتداء على إيران سوى أحد أمرين: إما زيادة في التطرف في إيران إن لم يسقط النظام، حيث ما هو معروف من قراءة تاريخ الشعب الإيراني أنه سرعان ما يلتف حول قادته كلما تعرض للخطر، وفي هذه الحالة، سيكون الانتقام ليس من إسرائيل بقدر ما سيكون انتقاماً من أقرب حلفاء أميركا جغرافياً.

أما في حالة سقوط النظام، فإن الفوضى ستعم إيران وستنتقل إلى كل من حولها. فالدول الكبرى لن تسمح بقيام نظام جديد مستقر في هذه الجمهورية المشاغبة، تماماً كما فعلوا في أفغانستان ولبنان وفلسطين والعراق.

إن تشجيع واستفزاز إسرائيل للقيام بمثل هذه المغامرة الدامية، سينقل مأساة العراق وأفغانستان ولبنان إلى منطقتنا الآمنة. وعندها فقط سنفهم ما تعني ضراوة الحروب.. كما عايشها من اكتوى بها قبلنا..

Email