التقدم نحو المربع الأول

ت + ت - الحجم الطبيعي

قامت مجموعة من الشابات والشبان الإماراتيين قبل فترة بسيطة بإنشاء «وسم» أو رابط على تويتر لمناقشة القضايا الفكرية والثقافية المختلفة، ورغم حسن النية الظاهر ورغم أن الموضوع الذي تم طرحه للنقاش لم يكن جدلياً بل أعتبر مسلمة من مسلمات المجتمع، لم يطل الأمر حتى تحول «الوسم» إلى ساحة حرب مستعرة بين فريقين يتشابهان في الكثير، لكنهما يختلفان إلى حد القطيعة في بضعة سنتيمترات وأمتار كان من الممكن عبورها بسهولة لتجسير الهوة بينهما.

لقد كانت التهم المتبادلة بين الفريقين مثل إثارة الفتن أو نشر الفساد أو معاداة الدين أو سطحية الفكر...إلخ انعكاساً لما يعتمل في أحشاء المجتمع من جدل وعدم قدرة على الحوار المنفتح الجاد، ورغم أني لا أميل للتعميم لكني أستطيع القول أن هذا «العقم الحواري» يوجد في بيوتنا وفي مدارسنا وفي أماكن العمل وفي الفضاءات العامة ـــ على قلتها ـــ المتاحة للمجتمع للتنفيس والتعبير عن نفسه.

أسباب فشلنا في الحوار متعددة، هناك جزء من موروثنا الثقافي حيث ربينا على مجاملة من أمامنا وعدم نقد وتمحيص وجهة نظره لأننا إن فعلنا فهي قلة أدب أو «عيب»، وهناك التعليمي، حيث العلاقة الصعبة بين المعلم والتلميذ القائمة على رغبة طرف بإخضاع الآخر وإذلاله، ونكبر وندخل بيوت الزوجية وأماكن العمل ونحن مشبعون بكل العقم الحواري المتغلغل في جسم المجتمع.

تخيلوا الحال عندما تكتمل صلاحيات المجلس الوطني الاتحادي ويجلس نوابنا في قاعته يتلاكمون ويتبادلون الاتهامات والصيحات، كما يحصل أحياناً في الجارة الكويت، أو أن ينقسم مجتمعنا إلى تيارات مختلفة إسلامية وليبرالية أو غيرها، أو أن يصاب بداء الاصطفاف القبلي والعرقي والمناطقي.

 لا أريد أن تفهموا من كلامي يا سادة أنني أشوه صورة التجربة الكويتية تزلفاً لسلطة، أو أنني أنظر بدونية لمستوى فهم ونضج شعبنا، ما أريد قوله ببساطة ومباشرة أننا كإماراتيين لا نعرف كيف نتحاور مع بعضنا البعض، وأنا هنا لا أتحدث عن النخبة المثقفة التي تعيش في برج عاجي، بل السواد الأعظم من العامة من الإماراتيين الذين يثرثرون كثيراً بغية «حرق اليوم» ولكن يندر أن تجدهم يتحاورون.

 

دور المجتمع المدني والدولة الإماراتية

إن من أهم أسباب ضعف الحوار بكافة تجلياته بين الإماراتيين أو حتى عدم إجادتهم له، هو غياب أو ضعف مؤسسات المجتمع المدني التي يستطيع من خلالها مواطنو الدولة التمرن على التعبير عن أفكارهم بطريقة متحضرة، أو يمنحهم فرصة لتكوين تجمعات مدنية تتعالى فوق انتماءاتهم القبلية والعرقية...الخ وتقوم بتبني مصالحهم وتوحدهم حول هموم وقضايا وطنية مختلفة.

طبعاً لا داعي لذكر حقيقة أن وجود منظمات مجتمع مدني ستساعد (جزئياً) على إيجاد نافذة تستطيع الأجيال الإماراتية الشابة من خلالها الانطلاق نحو إيجاد توصيف واضح لمن هم، لهويتهم كأفراد يعيشون في مجتمع يمر بتغيرات سريعة، أصاب بالرعب شخصياً عندما أختلط بالكثير من الشباب الإماراتي الناشئ، هم ينتمون لهذا البلد وهم طبعاً عرب ومسلمون، لكنهم ليسوا متعلقين بمفاهيم الوطنية أو العروبة أو الإسلام كالأجيال السابقة، أو فلنقل أن الطريقة التي يعرفون بها هذه المفاهيم غير واضحة، لذا فإن استيعاب طاقات هؤلاء من خلال منظمات مدنية ناشطة هو حل منطقي وغير مكلف بانتظار أن تحل مشكلة الهوية في الأزمنة القادمة.

لذا، فإن من المطلوب أن تقوم الدولة الإماراتية، وهي الدولة المتسامحة المتنورة التي تبنت آليات الحكم الرشيد، بتشجيع المجتمع المدني على التكاثر والخروج بقوة وعافية للسطح، لكن لا يمكن أن تقوم الدولة بكل شيء بالنيابة عن شعبها، أنا متفائل أن الإماراتي الشاب سيستغل الفرص التي ستعطى له، وسيستفيد حتماً من ارتفاع سقف الحريات المقبل، وسينجح حيث أخفق الجيل السابق. ألا تعتقدون أننا سنستطيع إذن التقدم نحو المربع الأول، وهو الحوار؟

Email