مزيد من التحديات في أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتوقف المراقبون عند القرار الذي اتخذته فرنسا بشأن السرعة التي ستسحب بها قواتها من أفغانستان، بعد أن قام جندي أفغاني مخادع بإطلاق النار على مجموعة من الجنود الفرنسيين، مسفراً عن مقتل أربعة منهم وإصابة 15 آخرين.

وفي الآونة الأخيرة، قدم المسؤولون الفرنسيون تقارير متضاربة حول نواياهم في هذا الشأن، ولكن الحقيقة هي أنه لا يهم حقاً ما توصلوا إليه. فرغم التصريحات الحماسية التي نسمعها الآن عن برنامج التدريب التابع لحلف شمال الأطلسي، فإن معظم الجنود الأفغان لا يصلحون لأداء واجبهم العسكري.

وفي كل دولة، يشكل الجيش انعكاساً لبلده. وكيف لا؟ إذ يتم سحب المجندين من مختلف طبقات المجتمع، ومعظمهم ينحدر من أسر أقل تعليماً وثراءً. وفي أفغانستان، يعد الجميع تقريباً من الفقراء، فمتوسط الدخل السنوي هو حوالي 400 دولار، ووفقاً لحلف شمال الأطلسي، فإن 80% من المجندين في الجيش الأفغاني يعانون من الأمية، ومعظمهم لا يعرف حتى كيفية قيادة السيارة.

وفي معظم مناطق أفغانستان، ليس للحكومة أي وجود، أما حركة طالبان فلها وجود. لذا لا عجب أن الكثير من المجندين في الجيش الأفغاني هم في الواقع عملاء لطالبان، يطلقون النار على من يفترض أنهم حلفاؤهم، وهي المشكلة التي "قد تكون غير مسبوقة في التاريخ العسكري الحديث"، وفقاً لما ذكره تقرير عسكري أميركي سري، استشهدت به أخيراً صحيفة "نيويورك تايمز".

والأهم من ذلك، هو أن معدل الفرار من خدمة الجيش لا يزال مذهلاً، وكل ذلك معروف عموماً. ولكن أضف نتيجة طبيعية ومأزقاً أقل شهرة إلى هذا المزيج، وستصاب حتماً باليأس. يتعاطى معظم الجنود الأفغان المخدرات بانتظام، بل ويدمنونها. ولم لا، طالما أن الجنود يمثلون نتاج ثقافتهم الوطنية؟ قم بزيارة كابول.

وسترى العشرات من مدمني الهيروين نصف الواعين، يترنحون في أرجاء المكان. وتعتبر أفغانستان أكثر دول العالم إنتاجاً للأفيون، وهو المكون الخام للهيروين. ويظهر تقرير صدر أخيراً عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة "علاقة واضحة بين زراعة الخشخاش وزراعة القنب". وما يقرب من ثلثي مزارعي خشخاش الأفيون في أفغانستان، يزرعون الماريغوانا أيضاً.

ونتيجة لذلك، فإن إحدى العبارات المفضلة في التقارير الصحافية الأفغانية والباكستانية الأخيرة، هي أنه في صفوف الجنود الأفغان "يعد الأفيون والحشيش الطعامين المفضلين بالنسبة لهم". وأظهرت فحوصات للكشف عن المخدرات أجريت بشكل عشوائي في وحدات الجيش والشرطة الأفغانية، أن تعاطي المخدرات منتشر، بل وواسع الانتشار.

ووجد تقرير صدر عن مكتب محاسبة الحكومة في عام 2010، أن ما يصل إلى 40% كانوا من متعاطي المخدرات. وقال المحقق الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، إن النسبة كانت "50% على الأقل"، وكشف أحد الصحافيين الأفغان، النقاب عن اختبار للكشف عن المخدرات فشل فيه 70% ممن تم اختبارهم.

ولمرات لا تحصى، ذكر ضباط عسكريون، أو صحافيون مرافقون لهم، أنهم شاهدوا جنوداً أفغاناً يدخنون الماريغوانا، قبل عمليات عسكرية أو خلالها. ونقلت صحيفة "ديلي تايمز"، وهي صحيفة باكستانية، عن أحد مدربي الجيش الأميركي قوله: "لو طبقنا سياسة فحص المخدرات في الجيش الأفغاني، لفقدنا ثلاثة أرباع إلى 85%" من الجنود الأفغان.

وساهمت حادثة أوردها مراسل لصحيفة "وول ستريت جورنال"، كان يرافق قوة أميركية - أفغانية مشتركة، في اختصار هذه المشكلة واسعة النطاق. ففي منتصف المهمة، وكالعادة، فر العديد من الجنود الأفغان. ثم، عندما وصل بدلاؤهم، جلسوا ودخنوا الماريغوانا. ونقل ذلك التقرير السري الصادر عن الجيش الأميركي، عن أحد الجنود قوله: "إنهم تحت تأثير المخدرات طوال الوقت، وبعضهم يكون تحت تأثير المخدرات حتى أثناء قيامه بدورية معنا".

ومنذ أن بدأت الحرب، احتارت القوات الغربية بشأن ما إذا كانت ستنخرط في مكافحة المخدرات، رغم أن أعضاء حركة طالبان يمولون أنفسهم عن طريق فرض ضريبة تبلغ 10% على مزارعي الخشخاش. وخلال السنوات الأولى التي تلت الغزو عام 2001، ركزت الولايات المتحدة اهتمامها على الأهداف العسكرية، وأولت قليلاً من الاهتمام لمحصول الأفيون المزدهر.

وبحلول منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، شرعت القوات الغربية في القضاء على الأفيون، في محاولة لإقناع المزارعين بزراعة محاصيل بديلة، مثل القمح. ولكن كلما نجحت القوات الأجنبية في إحدى المناطق، ظهرت زراعة الأفيون في منطقة أخرى، وسرعان ما أصبح الأمر شبيهاً بعملية ضرب الخلد.

والآن، يمتنع حلف شمال الأطلسي عن مجرد المحاولة. ومع بداية الهجوم في جنوب أفغانستان عام 2010، قال الضباط الأميركيون مراراً إنهم لن يدوسوا على سبل معيشة الشعب الذي كانوا يحاولون استمالته إلى جانبهم. ومنذ ذلك الحين، وصور الأخبار تظهر في كثير من الأحيان، جنوداً يتسكعون عبر حقول الخشخاش في طريقهم إلى مهماتهم العسكرية. واليأس يسيطر على ضباط الأمم المتحدة، إلى جانب أشخاص آخرين.

وقال جان لوك ليمايو، ممثل مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في أفغانستان: "لا يسعنا أن نتجاهل الأرباح القياسية التي يحققها غير المزارعين، مثل التجار والمتمردين، التي تساهم بدورها في تغذية الفساد والإجرام وعدم الاستقرار".

ويوفر كل من الأفيون والماريغوانا دخلاً مستداماً للعدو، ويغذيان الفساد المستشري، ويحولان معظم الجنود الأفغان إلى مدمني مخدرات لا جدوى منهم.

كيف يمكن لأحد أن يعتقد أن هناك فرصة ولو ضئيلة، للنجاح في أفغانستان في الوقت الذي يتم تجاهل هذه المشكلة؟

 

 

Email