أميركا وخرافة ترويج الديمقراطية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مقالة في صحيفة «الغارديان» اللندنية، يقول الكاتب الصحافي البريطاني مارك وايزبروت: لا بد لي أن أضحك عندما أسمع أن «المعهد الجمهوري العالمي» يوصف في وسائل الإعلام الأميركية كمنظمة تروّج الديمقراطية. فما حقيقة هذه المؤسسة؟ وما الذي يدفع وايزبروت إلى الضحك؟

للإجابة على هذا السؤال، علينا أولًا أن ندرك أن المعهد الجمهوري يمارس أنشطته أحياناً بطريقة مباشرة، لكنه في أغلب الأحيان يتحرك عبر عدد مما يطلق عليه «منظمات غير حكومية» تابعة له وتعتمد عليه في التمويل.

ووصلاً بذلك، علينا أن نستذكر ثانياً أن في مصر ممثلين لعدد من هذه المنظمات، وصلوا خلال ظروف ثورة الشارع المصري.. والهدف المعلن هو الترويج للتيار الديمقراطي المندفع في مصر، ودعم الهيئات والمنظمات المصرية في سياق تشجيع حركة استعادة الديمقراطية.

ونعود إلى مقالة الكاتب البريطاني. يقول وايزبروت؛ إن المعهد الجمهوري العالمي ذراع للحزب الجمهوري الأميركي. ومن يراجع سجل المعهد والحزب في الماضي والحاضر، لا يسعه إلا أن يضحك مع غير قليل من استشعار مرارة، عندما يتبين له الفارق بين القول والفعل. ولننظر في بعض المغامرات الحديثة التي قام بها المعهد الجمهوري أو المنظمات غير الحكومية التابعة له، وبدعم من الحزب الجمهوري. ف

ي عام 2004 لعب المعهد ومنظماته دوراً رئيسياً في الإطاحة بحكومة هاييتي المنتخبة ديمقراطياً، وفي عام 2002 احتفل رئيس المعهد علناً بالانقلاب العسكري الذي لم يعمر طويلاً، والذي أطاح بحكومة فنزويلا المنتخبة، وكان المعهد يعمل أيضاً مع منظمات وأفراد كانوا متورطين في المحاولة الانقلابية.

وفي عام 2005 كان المعهد متورطاً في مجهود للترويج لتغييرات في قوانين البرازيل الانتخابية، كان الهدف منها إضعاف حزب العمال الحاكم بزعامة الرئيس لولا داسيلفا اليساري الاشتراكي. ومؤخراً ـ وتحديداً في عام 2009 ـ كان هناك انقلاب ضد حكومة هندوراس المنتخبة ديمقراطياً.

ومَارَسْ الحزب الجمهوري ضغوطاً على الإدارة الأميركية لتفعل كل ما في وسعها، للمساعدة في إنجاح الانقلاب ودعم «انتخابات» جرت في نوفمبر من العام نفسه، لإضفاء شرعية على الحكومة الانقلابية. في ضوء هذا السرد، يطرح الكاتب تساؤلاً: مَنْ يعرف ماذا يفعل المعهد الجمهوري ومنظماته غير الحكومية في مصر؟

ويجيب قائلاً: نحن نعرف ماذا فعلت الإدارة الأميركية هناك. فقد دعمت نظاماً استبدادياً وحشياً على مدى عشرات من السنين، إلى أن خرجت مظاهرات احتجاجية كاسحة، أثبتت لواشنطن بوضوح أنه ليس بوسعها منع إسقاط حسني مبارك بواسطة حركة حقيقية شعبية وديمقراطية.

في سياق أحداث هذه الثورة المصرية، دخلت على الخط المنظمات غير الحكومية التابعة للحزب الجمهوري الأميركي، بتأييد وشراكة من «الحزب الديمقراطي» الأميركي الذي لديه أيضاً منظمات غير حكومية، ليلعب الحزبان دوراً جديداً في مصر.

إبان عهد مبارك، كان الدور هو دعم النظام الحاكم عن طريق تحسين صورته واختلاق المبررات من أجل بقائه. فما هي طبيعة الدور الجديد؟

من خلال الأحداث المتتالية في المشهد السياسي المصري، يتبين كل يوم أن هناك خلافاً بين الإسلاميين والقوى السياسية الأخرى المشاركة في الثورة الشعبية، وهو خلاف ليس على الأهداف العليا النهائية للمسيرة الثورية، بقدر ما هو اختلاف رؤى حول الأولويات والوسائل للوصول إلى هذه الأهداف. ومن المؤكد أن الدور الجديد المرسوم للمنظمات الأميركية غير الحكومية، هو بالدرجة الأولى العمل على تعميق الخلاف بين القوى السياسية، بغرض إجهاض المسار الثوري.

لكن بعد هذا كله، يبقى سؤال: لماذا سمح المجلس العسكري الحاكم في مصر الموالي لواشنطن، باعتقال ممثلي هذه المنظمات وتقديمهم إلى محاكمة؟

هناك احتمالان: أولًا؛ ربما أراد العسكريون تخفيف الضغط الشعبي المتعاظم عن المجلس، بالظهور وكأنه حامي حمى الديمقراطية في مصر. ثانياً؛ علينا أن نستذكر أن هناك أصواتاً ترتفع داخل الكونغرس الأميركي، يطالب أصحابها بقطع المعونة العسكرية السنوية المخصصة للجيش المصري.

وبموافقته على اعتقال ومحاكمة ممثلي المنظمات الأميركية، ربما أراد المجلس إرسال رد على أصحاب هذه الأصوات.. الأمر الذي يدعو إلى استنتاج بأن المحاكمة لن تكون سوى مسرحية، وبالتالي فإن الزوبعة سوف تنتهي بتسوية بين القاهرة وواشنطن.

ولننتظر لنرى.

 

Email