الجانب المشرق من العالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

نحن نعيش في عالم صاخب يواجه أزمات متعددة، يعرضنا فيه اتصالنا على مدار الساعة، لدفق مستمر من الأخبار السيئة، من الكوارث الطبيعية والمآسي الحقيقية، إلى قرارات قادتنا غير الموفقة وانعدام المساءلة لديهم.

ولكن تقارير العجز والفشل، ليست التقارير الوحيدة التي يمكن لوسائل الإعلام أن تركز عليها. فرغم أن أميركا تواجه، بالفعل، أزمة رهيبة، فإن هناك الكثير مما يجري عدا عن فشل قادتها، ويستحق أن تتم الاستجابة له. ففي جميع أنحاء الولايات المتحدة، هناك تقارير عن أشخاص يرتقون إلى مستوى التحدي، مع قدر لا يصدق من الإبداع والبراعة والمثابرة والكياسة، ولكن هذه التقارير نادرا ما تصل إلى الصفحات الأولى والعناوين الرئيسة.

وليست الأزمات الفعلية، التي يوجد الكثير منها، للأسف، هي فقط التي تطغى على هذه التقارير التي تتناول أناساً حقيقيين، وما يقومون به من أفعال تعاطفية وإبداعية لا تعد ولا تحصى، وإنما أيضاً، وفي أغلب الأحيان، مختلف الأزمات المصطنعة التي تستنزف أوكسجين وسائل الإعلام الثمين. والعذر الذي تقدمه وسائل الإعلام غالباً، هو أن هذه التقارير هي "ما يريده الجمهور".

لا أصدق ذلك، ولذا أريد أن أسلط الضوء على شخص ساهم عمله بشكل كبير في التصدي لتلك السخرية، وتوجيه اهتمامنا إلى ما هو مفيد. يتمتع بيتر ديامانديس، بصفته الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة "إكس برايز"، بموهبة تشجيع الآخرين على الطموح وتغيير العالم، وهي الموهبة التي جعلت منه رمزاً من رموز البحث عن حلول لمشكلاتنا العديدة. وفي مدونة أخيرة تستند إلى كتابه المقبل "وفرة: المستقبل أفضل مما تعتقد" (الذي شارك في تأليفه ستيفن كوتلر)، قدم حجة قوية ومقنعة للتفاؤل.

كتب يقول: "كنت جالساً أخيراً في أحد المقاهي، وتناهى إلى سمعي حديث زوجين شابين يتناقشان حول ما إذا كان إحضار طفل إلى عالم اليوم يعد تصرفاً مسؤولاً من الناحية الأخلاقية، نظرا لما نواجهه من تحديات عالمية. والغريب في سؤالهم والمزاج المعاصر المظلم الذي يمثله، هو أن العالم اليوم يعد أفضل حالا من أي وقت مضى، على نحو يمكن قياسه بشكل دقيق". ثم ذكر العديد من الطرق التي يمكن من خلالها إثبات صحة كلامه، بما في ذلك الانخفاض الحاد في مستوى الفقر خلال السنوات الخمسين الماضية، وتطورات القرن الماضي الطبية التي لم يسبق لها مثيل، والتي تركتنا ننعم بقدر من الصحة لم ننعم به من قبل.

وكتب ديامانديس أيضاً، وبطريقة ساحرة، حول كيف أننا مبرمجون لاستبعاد الأخبار الجيدة، حيث قال: "اللوزة الدماغية عبارة عن ذلك الجزء من الفص الصدغي المسؤول عن العواطف البدائية، مثل الغضب والكراهية والخوف. إنها نظام الإنذار المبكر، والعضو الذي يكون دائماً في حالة تأهب قصوى، والذي تتمثل مهمته في اكتشاف أي شيء في بيئتنا المحيطة قد يهدد بقاءنا. واستجابة اللوزة للتهديدات المحتملة، التي متى ما تم تفعيلها، يصبح تثبيطها أمراً شبه مستحيل، تكون شديدة للغاية، ويشكل هذا مشكلة في العالم الحديث".

وبقراءتي لكتاب "وفرة"، تذكرت النصيحة التي أسداها الرئيس الأميركي باراك أوباما للأميركيين في العام الماضي، حين دعاهم إلى "توسيع خيالهم الأخلاقي" و"توسيع دائرة اهتمامهم". ورغم أن الرئيس أوباما كان يتحدث عن التعاطف، فإني أرى تشابها قويا بين رسالته والرسالة التي طرحها بيتر، إذ إن توسيع مناظيرنا هو السبيل الوحيد لرؤية ما وراء الأزمات، الحقيقية أو المصطنعة، التي تهدد بإغراقنا في السخرية. لقد قلت منذ وقت طويل، إننا في وسائل الإعلام وفرنا أكثر مما ينبغي من التشريح لما وقع من أخطاء، ولم نوفر ما يكفي من «الخزعات». إنه اعتقاد يتفق مع مهمة بيتر المتمثلة في تحويل انتباهنا إلى ما هو مفيد، وهي مهمة يتقاسمها عدد لا يحصى من الناس في مختلف أنحاء أميركا، والعالم.

 

Email