مسار القضية الفلسطينية ورياح التغيير

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد 15 شهراً من القطيعة الدبلوماسية مع إسرائيل، قبلت قيادة السلطة الفلسطينية مؤخراً استئناف المفاوضات مع دولة الاحتلال، رغم أنها ـ أي إسرائيل ـ لاتزال ترفض بعناد الاشتراط الفلسطيني بوقف عمليات البناء الاستيطاني.

هناك سؤال معلق: ألا تدرك القيادة الرسمية الفلسطينية أنه سواء استأنفت التفاوض أو قاطعته، فإن إسرائيل تواصل في كل الأحوال التوسع الاستيطاني اليهودي على أرض الضفة الغربية؟.

إذا كانت القيادة الفلسطينية في رام الله تدرك هذه الحقيقة ـ التي لا تكف القيادة الإسرائيلية عن تكرار إعلان مضمونها ـ فإنه يصبح من المثير للتعجب ما جرى خلال الأيام الماضية، من جلوس وفد فلسطين إلى وفد إسرائيل حول مائدة تفاوضية في العاصمة الأردنية (عمان). لكن الأعجب ما ورد على لسان صائب عريقات مستشار رئيس السلطة الفلسطينية لشؤون المفاوضات، في تصريحات إعلامية على هامش "مفاوضات" عمان. قال عريقات: "لا توجد إمكانية لاستئناف المفاوضات في ظل استمرار الاستيطان".

في الوقت نفسه قال محمود عباس نفسه معلقاً على استئناف العملية التفاوضية، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لم يقدم أي اقتراحات جديدة. وأضاف قائلاً: إن الكلام الذي سمعه في مقر إقامة نتانياهو قبل عامين، هو الكلام نفسه الذي يكرره الآن.

هذا الموقف الفلسطيني العجيب، بحاجة إلى ترجمة. والترجمة بإيجاز هي أن قضية المصير الفلسطيني وصلت إلى طريق مسدود تماماً، على أيدي قيادة السلطة الفلسطينية.. وأكثر من ذلك، انها مرشحة للتوقف عند ذلك الطريق المسدود لأمد زمني مفتوح.

أما المصيبة الأعظم، فهي أن عمليات التوسع الاستيطاني الإسرائيلي تتواصل بمعدل سريع، في اتجاه تهويد أرض الضفة الغربية بأكملها.

في الوقت نفسه وعلى مستوى متزامن مع مفاوضات عمان، نشر تقرير أعده دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي، يقول إن الاستيطان والقيود المفروضة في الضفة، تقوض فرص بقاء دولة فلسطينية مقبلة. وقال التقرير الذي وضعه ممثلا الاتحاد الأوروبي في كل من القدس ورام الله، إن النافذة المفتوحة للتوصل إلى حل الدولتين تغلق حالياً وبسرعة، بسبب استمرار توسيع المستوطنات الإسرائيلية والقيود المفروضة على حركة الفلسطينيين.

ويخلص هذا التقرير الأوروبي بالغ الصراحة، إلى تحذير مفاده أنه إذا لم يتوقف التوجه الحالي ويقلب، فإن إقامة دولة فلسطينية قابلة للاستمرار بحدود 1967 تبدو احتمالاً بعيداً أكثر من أي وقت مضى.

ربما يقال إنه لمواجهة مثل هذا المصير، قرر الرئيس محمود عباس الدخول في مصالحة وطنية بين فصيل فتح وفصيل حماس، لإنشاء جبهة فلسطينية إجماعية ضد إسرائيل.

ولكن، ما جدوى توحيد قوى الشعب الفلسطيني دون الاتفاق على برنامج وطني للمقاومة؟ بكلمات أخرى، يبرز تساؤل: هل المصالحة من منظور قيادة السلطة الفلسطينية قرار استراتيجي مصيري أم مجرد تكتيك تلوح به السلطة في وجه دولة الاحتلال؟.

لإسرائيل رد جاهز، وهو أنها لن تتعامل مع قيادة رام الله في حالة تحقيق المصالحة مع حماس، على اعتبار أن حماس "تنظيم إرهابي". أما إذا تخلى عباس عن المصالحة، فإن إسرائيل ستقول إنه لا يمثل الشعب الفلسطيني بصورة كاملة!

لكن ما يهم إسرائيل حقاً في كل الأحوال، هو ما يطلق عليه "التنسيق الأمني" الذي يجعل من مؤسسة السلطة الفلسطينية مجرد امتداد للجهاز الأمني الإسرائيلي.

ما المخرج إذن؟

إن الخطوة الاستهلالية اللازم اتخاذها قبل أي مخرج، هي أن تقر قيادة السلطة الفلسطينية بأن القضية بلغت فعلا طريقاً مسدوداً. وانطلاقاً من هذا الاستخلاص، يأتي رد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية. إن المنظمة بشكلها الراهن ليست سوى نسخة طبق الأصل من فصيل فتح. وإذن، فإن رد الاعتبار يقتضي إعادة بناء المنظمة، بحيث تضم عضويتها كافة الفصائل الأخرى بما فيها فصيل حماس. وإذا تحقق ذلك فإن الخطوة التالية هي أن تتوافق فصائل المنظمة على برنامج وطني للتحرير بوسائل المقاومة.

وليس بالضرورة أن تكون البداية نضالاً مسلحاً، فالمقاومة يمكن أن تسير على نهج متدرج بدءاً من الأسلوب السلمي، لكن مع عدم استبعاد الثورة المسلحة في مرحلة لاحقة. وفي كل الأحوال ينبغي وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل نهائياً. وأخيراً، فإن على قيادة السلطة الفلسطينية أن تدرك أنه من خلال ثورات الربيع العربي تهب على المنطقة رياح تغيير كاسحة، ومع استمرار هبوب رياح التغيير لن يكون الشارع الفلسطيني استثناء.

 

Email