النسخة التايوانية من رالف نادر

ت + ت - الحجم الطبيعي

أجرت تايوان انتخاباتها الرئاسية مؤخراً، وبالنظر إليها من الولايات المتحدة، فإن الأمر يكاد يبدو كما لو كان رالف نادر قد انتقل إلى الجزيرة. وبالنسبة للأميركيين، فإن التصويت التايواني ليس مجرد خبر بعيد ومثير للاهتمام. فلا تزال الصين تبدي اهتماما، بل وهوساً، بالجزيرة، وتصمم على استرجاعها في يوم من الأيام. وفي حين أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بالقتال نيابة عن التايوانيين، فإن الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى نصف قرن من الزمن، أوضحت أنها لن تتسامح مع أي هجوم صيني على تايوان.

هذا يقودنا إلى انتخابات تايوان. فالحزب الحاكم، أي حزب الكومينتانغ، يدعو إلى التفاعلات السلمية مع الصين، وخلال رئاسة ما ينغ جيو، التي دامت أربع سنوات، تحسنت العلاقات مع الصين بشكل مطرد. غير أن الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض، يدعو إلى الاستقلال الرسمي وليس الغموض المتعمد السائد الآن، وبكين لن تسمح بذلك ببساطة.

وفي أوج الحملة الانتخابية، أعلن الرئيس الصيني هو جينتاو، مجدداً، عن أن "تحقيق إعادة التوحيد" يظل الهدف الذي تصر عليه الصين، مضيفا: "علينا أن نعزز معارضتنا لاستقلال تايوان".

تعد تايوان من بين أقوى الديمقراطيات في آسيا، خلافاً للصين، تلك الدولة الشمولية التي لا ترحم. وحين عقدت تايوان أول انتخابات يشارك فيها الحزبان عام 1996، أجرت البحرية الصينية مناورات استفزازية قبالة سواحلها، مما دفع الولايات المتحدة إلى إرسال سفنها الحربية الخاصة إلى مضيق تايوان.

واستلم سياسي من الحزب الديمقراطي التقدمي مقاليد الرئاسة في صدر الألفية الثانية، وغرقت العلاقات مع الصين إلى مستويات بدت متجهة إلى صراع (وهذا الرئيس التايواني السابق يقبع في السجن الآن، بعد إدانته بتهمة الفساد).

ومع انطلاق حملة 2012 الانتخابية بصورة جادة في العام الماضي، أحرز الرئيس ما ينغ جيو انتصارات متواترة في معظم استطلاعات الرأي، على منافسه من الحزب الديمقراطي التقدمي. ولكن بعد ذلك، في نوفمبر من عام 2011، أعلن جيمس سونغ، زعيم حزب الشعب أولا، وهو حزب منبثق عن الكومينتانغ، أنه سيرشح نفسه للرئاسة باعتباره مرشح حزب ثالث، تماما كما فعل رالف نادر في أميركا عام 2000.

من يستطيع نسيان النتائج النهائية لحملة نادر؟ فهو لم يملك فرصة للفوز، ولكنه جمع نحو 100 ألف صوت في ولاية فلوريدا، وهو عدد أكثر من كاف لحرمان آل غور من تحقيق انتصار في تلك الولاية المحورية. وهذا سمح للمحكمة العليا بأن تسلم جورج بوش الرئاسة. ومنذ تلك اللحظة، منح نادر لقب "المخرب".

وفي تايوان الآن، يتعادل ما ينغ جيو مع منافسه تساي إنغ وان من الحزب الديمقراطي التقدمي، بسبب سونغ. ويظهر بعض استطلاعات الرأي أن تساي يتقدم بواقع نقطة مئوية أو اثنتين، والبعض الآخر يؤيد ما ينغ جيو بالكاد. وما يقل عن 10% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع، قالوا إنهم يفضلون سونغ، وذلك الدعم أخذ بالكامل تقريباً من تأييد جيو، تماما كما حدث مع نادر وغور في عام 2000.

ويعمل جيو على تعزيز العلاقات السلمية مع الصين. ولكن تساي يحب أن يخطب قائلاً: "حين يأتي الزوار الصينيون، علينا أن نضع أعلامنا بعيدا".

وتؤكد واشنطن وقوفها موقف الحياد في السباق، ولكنها تسعى إلى دعم ترشيح ما ينغ جيو، دون أن ترغب في إظهار ذلك. وبدأت وزارة الخارجية الأميركية في التحدث عن عرض السفر دون تأشيرة إلى الولايات المتحدة على التايوانيين، وهو الامتياز الذي يتطلع إليه العديد منهم. ففي الواقع، إن الدراسة الجامعية في الولايات المتحدة تشكل رمزا مهماً للمكانة بالنسبة لسكان الجزيرة، فقد درس جيو في جامعة هارفارد، وتساي في جامعة كورنيل.

ووصف ما ينغ جيو عرض التأشيرة باعتباره مؤشرا هاما على علاقاته القوية مع واشنطن، إلا أن صحيفة "تايبيه تايمز"، المؤيدة لتساي، قالت: "سواء كان ذلك طيشاً أو خبثاً، بقصد أو دون قصد، فإن الولايات المتحدة انحازت في الانتخابات، ولسبب وجيه".

وعمد الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي ينوي زيارة المنطقة في أكتوبر المقبل، إلى إظهار دعمه للديمقراطيات الآسيوية، ووعد بمواصلة التصدي عسكرياً للصين في منطقة المحيط الهادئ. ولكن في حال أقدمت الصين مرة أخرى على إرسال سفن حربية إلى مضيق تايوان بعد الانتخابات، فإن البحرية الأميركية قد تفكر مرتين قبل إرسال سفنها الخاصة.

فقد طورت الصين ونشرت صاروخاً قاتلاً لحاملات الطائرات، يستطيع ضرب السفن الحربية من مسافة 2000 كيلومتر تقريباً، أما الولايات المتحدة فلا تملك وسيلة دفاع يمكن الاعتماد عليها، إذ إن صاروخ "دي إف-21 دي" ينزل في اتجاه هدفه بزاوية تجعل تدميره صعباً على الدفاعات المضادة للصواريخ. ويؤكد المحللون العسكريون أن الغرض الوحيد الذي يمكن تصوره من الصاروخ الجديد، هو تحدي هيمنة أميركا البحرية في المنطقة.

وتراقب الصين الانتخابات عن كثب، ويتم بث مناقشات المرشحين بثاً مباشراً إلى البر الرئيسي. وقد أخبرني العديد من التايوانيين بأن الصين بذلت قصارى جهدها لإقناع سونغ بالانسحاب من السباق الرئاسي، ولكن جهودها لم تجد نفعاً. والآن، في حال فاز تساي وتطور الوضع إلى صراع كما يخشى الكثير من الناس، فإن نصيب الأسد من اللوم سيقع على عاتق رجل واحد، وهو جيمس سونغ المخرب.

Email