مضيق هرمز وفكرة ردمه

ت + ت - الحجم الطبيعي

أتذكر حادثة طريفة حدثت في جزيرة كريت في البحر المتوسط عام 1991، حيث أخذتنا سيدة من أهالي تلك الجزيرة وكانت طاعنة في السن بسيارتها في جولة سياحية على الساحل الشمالي لتلك الجزيرة ثم أوقفت محرك سيارتها أمام منظر يخلب الأنظار، أمام ما يشبه الخليج المستطيل يشبه في شكله الخليج العربي ولكن بحجم صغير، ويطلق عليه أهل كريت اسم خليج سوذا، وكان يمثل موقعاً استراتيجياً حربياً وعسكرياً مهماً جداً في تاريخ جزيرة كريت.

 وأخبرتنا السيدة إن الروائي اليوناني الشهير (نيكوس كازانزاكي ـ 1883ـ1957) وأصله من تلك الجزيرة ـ قد طلب من كل فرد من أهالي جزيرة كريت أن يرمي في هذا الخليج في كل صباح بحجر لأنه أصبح كارثة على أهالي الجزيرة.

وما ينطبق على خليج سوذا ينطبق على مضيق هرمز الذي تحول بدوره إلى كارثة على أهالي المنطقة. فلا يوجد مضيق في العالم تضاهي أهميته مضيق هرمز في هذه الأيام. مع أنه لا يتعدى عرضه 54 كيلومتراً.

يقال إن ما يقارب الثلاثين ناقلة يومياً تمر من خلاله. إنه أشبه ما يكون بالقصبة الهوائية للرئة لبعض الدول. وكما نعلم فإن دولاً مثل العراق والكويت والبحرين وقطر والساحل الشرقي من المملكة العربية السعودية، ليس لها منفذ بحري إلى خارج الخليج العربي سوى من هذا المضيق. أي أن أي قطعة خشب صغيرة تنشب في هذه القصبة سوف تتأثر بها دول المنطقة ودول العالم بالذات.

من الناحية البيئية فهو يعتبر من أشد بحار العالم تلوثاً. فهو شبه مغلق وحركة الماء بطيئة، لذلك يعتبر من أشد مياه البحر ملوحة.

وإذا ما وضعنا في الحسبان عدد البواخر والسفن والأساطيل الحربية التي تعيث فيه فساداً ليل نهار، إضافة إلى عدم وجود رقابة خليجية صارمة لإجبار السفن على الالتزام بالقوانين الدولية فيما يتعلق بالمحافظة على نظافة البيئة فيه، إضافة إلى كونه أصبح بسبب إهمال الدول المطلة عليه - المكان الأمثل للتخلص بشكل سري من المخلفات الصناعية والمواد النووية المشعة المحرمة دولياً التي لم تجد من يقبل دفنها على أراضيه، تحول هذا الخليج إلى مرتع للفئران الضالة والقطط المتوحشة وبعض الأسود والنمور المتسلطة.

من الناحية الاقتصادية، فهذا الخليج كان وما زال يمثل مصدر رزق مهماً لأهالي المنطقة.

كان في السابق لصيد الأسماك واللؤلؤ. واليوم لتحميل النفط الأسود بأرخص الأثمان ثم يعاد إلينا مكرراً مبجلًا بأسعار باهظة على شكل سلع حيوية وأغلبها سلع استهلاكية كمالية. كما أنه يشكل حلقة وصل كمركز للتصدير وإعادة التصدير. والكل في الحقيقة مستفيد من هذا الخليج الضيق العنق.

فالواردات والصادرات التي تمر من عنقه تبلغ أرقاماً فلكية. إن كمية النفط الخام الخليجي المنقول عبر هذا المضيق إلى العالم الخارجي تبلغ أكثر من 15 مليون برميل يومياً. أي بنسبة تقدر بأكثر من 35 بالمئة من النفط العالمي المنقول عبر الطرق البحرية، و20 بالمئة من النفط العالمي.

من الناحية الإستراتيجية، يعتبر هذا المضيق مسألة حياة أو موت ليس فقط لسكان المنطقة بل للعالم أجمع، شرقاً وغرباً.

غير أن الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول أوروبا ربطت مصيرها ومستقبلها واقتصادها بل وتاريخها كله بهذا المضيق. وتضع يدها على قلبها كلما زادت درجات الحمى على جانبيه. وقد اكتشف البرتغاليون في القرن الخامس عشر أهمية هذا المضيق، وجاء بعدهم البريطانيون ثم الأميركان.

وحاول الفرنسيون متأخراً أن يكون لهم شبر من هذا المضيق الذي لم يعد يسع لأكثر من شخص واحد! والحقيقة أننا عندما نتحدث عن أهمية الموقع الاستراتيجي للغرب، فإننا نعني ذلك من الناحية الاقتصادية لا غير.

فالغرب يبقى همه الأول تأمين دعم اقتصاده وطرق تجارته. ولم تعد له حروب توسعية مع أحد في المنطقة أو أهداف ثقافية أو دينية لنشرها بين شعوبها كما كان يحدث في السابق. لذلك، وبمجرد ما أن ينضب نفط الخليج لآخر قطرة، سيصبح مضيق هرمز أوسع من المحيط الهادي. فالحرب الإستراتيجية على مضيق هرمز ناتجة في حقيقة الأمر عن شدة ضيقه، وهذه واحدة من غرائب الجيو ـ بولتيك. المشكلة أن الغرب واقع في شبه الجزيرة العربية بين مضيقين خطيرين: مضيق هرمز ومضيق باب المندب.

هذه الأهمية النفطية، الاقتصادية، الإستراتيجية التاريخية لمضيق هرمز وبسبب شدة خطورة ضيقه حولته إلى موقع للعب بالأعصاب. والحقيقة إنها تشبه اللعب بالنار. فأي خطأ بسيط قد يؤدي إلى كارثة من الوزن الثقيل على العالم. غير أن طرفي اللعبة على نقيض تماماً. فبينما الأول لا يهمه شيء من إغلاق هذا المضيق، وهو يتمنى ذلك، يرى الثاني بأن قصبته الهوائية سوف يطبق عليها بغلقه ويموت نفطاً. والنفط ليس أقل حيوية من الهواء بالنسبة للغرب الصناعي.

فبدون النفط تتوقف المصانع عن العمل. وإن توقفت المصانع مات الناس جوعاً وبرداً. ولا يوجد بديل عن النفط سوى الطاقة الشمسية المحرومة منها دول أوروبا أساساً، أو بالتالي العودة إلى زمن الفحم الأسود. أما إيران فإنها مأخوذة بتلك اللعبة التي تثير أعصاب أعدائها.

والحقيقة أن العالم بأسره تحول إلى عدو لإيران بسبب سياساتها الاستفزازية في المنطقة ومع العالم. وهي فيما يبدو تدرك جيداً أن الغرب لن يهاجمها كما يزعم بحجة عدم التزامها بالقرارات الدولية فيما يخص ملفها النووي. لأنها تعلم أن مضيق هرمز يشكل شرياناً حيوياً للنفط لكل دول العالم. وقد تحول إلى ورقة مساومة بين إيران المحاصَر والغرب المحاصِر. غير أن ذلك لا يمنع من انفجار الوضع في أية لحظة. حاله حال أي قنبلة موقوتة.

ولكي يرتاح العالم من كوارث مضيق هرمز، نرى أنه من الأفضل أن يتم ردمه.

Email