بين الصعود الصيني والاضمحلال الأمريكي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تبقى الولايات المتحدة القوة الاقتصادية الأعظم التي تقود حركة الاقتصاد العالمي، أم أنها تتدهور لتفتح المجال للصين لاحتلال هذه المرتبة؟ ومتى يتحقق ذلك؟

هذا السؤال الكبير الخطير، طرحته الأسبوع الماضي مجلة "الايكونوميست" اللندنية، على نحو تحليلي رصين وصولاً إلى الإجابة. ومع تداعيات الأحداث والأحوال الجارية في سياق ما يطلق عليه "ربيع الثورة العربي"، فإنه سؤال جدير باهتمام القوى السياسية الصاعدة، التي تولت سلطة الحكم أو صارت قريبة من استلامها. ولكن فلننظر أولاً في إجابة المجلة اللندنية، التي تخاطب عادة نخب الحكم والمال في الغرب.

تروي "الايكونوميست" أولا، أنه في ربيع عام 2011 المنصرم فإن معهد "بيو" الأمريكي للأبحاث والاستطلاعات، سأل من خلال استبيان ميداني ألوفاً من الأشخاص في أنحاء العالم، عن ما هي الدولة التي يرون أنها القوة الاقتصادية القيادية في عالم اليوم. وقال نصف الصينيين الذين شملهم الاستبيان، إن أمريكا تبقى القوة الأولى، لكن ضعف عدد هؤلاء قالوا إنها الصين. وأجاب 43% من الأمريكيين بأن الدولة الأولى هي الصين. فقط 38% من هؤلاء قالوا إن أمريكا لا تزال القوة الأولى.

"الإيكونوميست" نفسها ابتكرت معياراً يتكون من "21" مؤشراً، تقول إن الصين لحقت بالفعل بأمريكا في أكثر من نصف هذه المؤشرات، وسوف تتجاوزها في بقية المؤشرات خلال عشر سنوات.

من بين المؤشرات الاقتصادية أنه خلال عام 2011 المنصرم، تجاوزت الصين أمريكا بأكثر من 30% في مجال التصدير، وأنفقت أكثر من أمريكا بنسبة 40% في مجال الاستثمار الرأسمالي، وتعتبر الصين الدولة الأولى في العالم في مجال التصنيع السلعي.

وهناك مؤشرات من نوع آخر، أبرزها أن الصينيين يتفوقون على الجميع في العالم بأسره، في شراء سيارات جديدة سنوياً.

وتقول "الإيكونوميست" إن الصين التي اخترعت البوصلة والبارود والطباعة في الماضي، تتحدى أمريكا أيضاً في مجال الابتكار المعاصر. ووفقاً لتقديرات المجلة، فإن عدد من منحوا براءة اختراع خلال عام 2011 في الصين، أكبر من عدد نظرائهم في أمريكا. ووفقاً لتقرير "المنافسة العالمية" الصادر عن الأمم المتحدة، فإن الصين نالت المرتبة 31 من بين 142 دولة، بشأن جودة التعليم في مجال الرياضيات والعلوم، بينما جاءت أمريكا في المرتبة 51.

أرصدة الصين المالية الخارجية تتفوق أيضاً عن ما لدى أمريكا، فبينما أن لدى الصين 2 تريليون دولار في الأصول الصافية، فإن على أمريكا ديونا بقيمة 2,5 تريليون دولار.

ومبيعات تجارة التجزئة إلى جمهرة المستهلكين في الصين تتصاعد بسرعة.. ومن المرجح أن تتجاوز المبيعات في أمريكا بحلول عام 2014. وفي نفس تلك السنة، تبدو الصين ماضية لأن تصير المستورد الأكبر في العالم، علماً بأن حجم واردات أمريكا في عام 2000 كان ستة أضعاف واردات الصين. ماذا عن الناتج المحلي الإجمالي الذي يعتبر معيار قياس القوة الاقتصادية الأكثر شيوعاً في العالم؟ صندوق النقد الدولي يتنبأ بأن الناتج الصيني سوف يتجاوز الناتج الأمريكي في عام 2016.

في عام 2011 المنصرم، كان الناتج الأمريكي يعادل ضعفي الناتج الصيني، بينما كان يعادل ثمانية أضعاف في عام 2000. وحسب تقديرات "الإيكونوميست"، فإن معدل نمو الاقتصاد الصيني بحسابات الناتج المحلي الإجمالي سيكون 7,75%، بينما لن يتعدى المعدل الأمريكي نسبة 2,5% سنويا. وعلى هذا المنوال فإن عام 2018 سيكون العام الذي سوف يلحق فيه الاقتصاد الصيني بالاقتصاد الأمريكي.

والآن فإن السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: هل تعي النخب السياسية في العالم العربي والإسلامي مغزى هذه الدراسة الرقمية؟

إن صيرورة الصين إلى احتلال المرتبة الاقتصادية الأولى في عالم اليوم، سوف تترجم بالطبع إلى معناها السياسي بالحسابات الاستراتيجية، بما يعني أن الصين ستكون خلال بضع سنوات القوة الأعظم في ساحة العلاقات الدولية.. وبما يعني بالتالي، وفي الوقت نفسه، اضمحلال المكانة الدولية للولايات المتحدة. ومع تزامن بداية هذا التحول التاريخي مع بوادر "ربيع الثورات" في العالم العربي والإسلامي، فإن على النخب السياسية العربية والإسلامية أن تتفكر منذ الآن، في إنشاء شراكة استراتيجية كبرى مع قوة المستقبل المرئي.

Email