مشروع الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنت أحادث أحد الأصدقاء الغربيين قبل أيام عن منطقة الخليج والجزيرة، فسألني: بم تشبه بلدك؟ كيف تصف دولة أكملت للتو أربعين عاماً منذ تأسيسها؟ فكرت قليلا بكل العبارات والشعارات العاطفية التي نكررها دائماً عندما نكون في هذا الموضع، لكني أجبت بسرعة: الإمارات مشروع. رد صديقي بتعجب: مشروع!

نعم، الإمارات مشروع، فكل جهد منظم يخطط له بعناية وينطوي على دراسة أو بحث لتحقيق نتيجة معينة، يسمى مشروعاً. ككل الدول والظواهر والحركات التي مرت في التاريخ، والتي أراد مؤسسوها أن تكون مشاريع مستمرة تكلل بعضها بالنجاح ومني بعضها بالفشل..

كذلك الإمارات؛ هي مشروع، وليس أي مشروع. هذا مشروع ناجح استطاع أن يبني مؤسسات وطنية حضارية حديثة، فكيف نفسر نجاح هذا المشروع في وجه كل التحديات الهائلة التي أحاطت بنشأته؟ كيف تفسر نجاح الإمارات في منطقة وقعت فيها 22 حرباً ونزاعاً مسلحاً في الأربعين عاماً الماضية، بمعدل حرب كل عامين؟

أو كيف أصبح الاقتصاد الإماراتي ثالث أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعد السعودية وإيران، متخطياً دولا تفوقنا حجماً وثروة؟ كيف تفسر أن بلاداً كانت تفتقر لأبسط الخدمات الصحية والتعليمية قبل العام 1971، تحتل في سنة 2011 المركز الرابع آسيوياً، والأول عربياً في تقارير الأمم المتحدة للتنمية البشرية؟ كيف نفهم سبب استتباب الأمن والاستقرار في بلد يشكل مواطنوه نسبة 19% فقط من مجموع السكان؟ كيف تشرح حقيقة أن الإماراتيين وهم شعبٌ عربي مسلم محافظ، يتعايشون بسلام وهدوء مع جاليات غربية وشرقية، تختلف عنه في العادات والتقاليد والدين واللغة والتاريخ وأسلوب الحياة وطرق التعبير عن النفس؟

الحقيقة أن الإجابة تكمن في الرؤية التي قام عليها المشروع الإماراتي، بفكر وشخصية الشيخ زايد ـ رحمه الله - وإخوانه الحكام المؤسسين. ولن أتحدث هنا عن طيبة الشيخ زايد ونقاء نفسه وحرصه على توجيه الموارد لتنمية البلاد وتمكين العباد، أو سياسته الخارجية المتزنة المسالمة، فهذه أشياء نعرفها جيداً.. ولكن فلنحاول أن نرى الشيخ زايد كأحد القادة المبدعين في التاريخ، الذين تحركهم أفكار مستنيرة ورغبة للإضافة على أفكار موجودة أصلاً، وتحسينها وتقديمها للناس في صورة جديدة.

يوضع الشيخ زايد ـ رحمه الله - مع أسماء مثل شارل ديغول، غاندي، محمد علي باشا، توماس جيفرسون، عبد الله السالم، أينشتاين، ستيف جوبز، وكبار الفلاسفة والمخترعين ورجال الأعمال الناجحين. كل هؤلاء مارسوا أدواراً قيادية بطرق جديدة، هؤلاء العظماء المتنورون قاموا بإصلاحات وإضافات تركت آثاراً عميقة في حياتنا، فهم أخرجوا أفضل ما فينا وجعلونا نرى الحاضر بطريقة تختلف عن الماضي..

كل هؤلاء كانوا يتميزون ببعد النظر واستشراف المستقبل، فهم يسبقون الآخرين، وهم منارات للإنسانية. إن فهمنا هذا كله، أيقنا أن مشروع الإمارات هو نتاج شخصية نادرة، أعطت لنا القدرة على تفسير ما فعل وأنجز، وفقاً لأفكارنا وأهوائنا وخلفياتنا المتنوعة، لكنه في النهاية يجمعنا ويوحدنا تحت سقف واحد.

من المهم في هذا الأيام أن نستدعي المرحلة الزمنية التي اختمرت فيها فكرة هذا المشروع. في الستينات كانت المنطقة العربية الحديثة العهد بالتحرر من الاستعمار، تغلي بالشعارات القومية وتفيض بمشاريع الوحدة والاندماج بين الأقطار العربية. هذه المشاريع انتهت إلى الفشل، ثم تعلمنا مع الزمن أنها كانت في الغالب مشاريع دعائية، لم تفلح في النهاية في تحقيق الآمال التي عقدت عليها.

أدى هذا الإخفاق ببلدان عريقة كمصر وسوريا، إلى السقوط في لحظة كساد عميقة، على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولا نعرف إن كانت حتى الآن ستستطيع الخروج منها. أما في حالة بلد عظيم كالعراق كان يلقب يوماً بـ"البوابة الشرقية" للوطن العربي، فإن ما نراه هو أن لحمة المجتمع نفسها قد تمزقت، وقد لا يستعيد ذلك البلد عافيته إلا بعد فترة طويلة.

في الستينات، إذاً، تلك الفترة الصاخبة من تاريخ المنطقة والعالم، بدأ الشيخ زايد ـ رحمه الله - يفكر في توحيد أرضه وأهله تحت راية واحدة. بدأ الشيخ زايد بتكوين حالة من التوافق حول مشروع الاتحاد بين حكام وسكان الإمارات، فعقدت الاجتماعات والمباحثات التي تمخضت عن إعلان قيام أنجح وحدة عربية، وذلك في الثاني من ديسمبر عام 1971.

من هنا يحق للإماراتيين أن يفخروا بمشروعهم، وأن يشاركوا إخوانهم الدروس والعبر المستفادة منه. وعلى أية حال، يبدو أنه لا يجب علينا كعرب أن ننظر نحو الغرب أو الشرق في كل مرة نريد أن ننهض من حالنا العاثر، لقد جربنا وأخضعنا أنفسنا بما فيه الكفاية لنظريات الآخرين، والآن تقدم الإمارات للجميع مثالاً ناجحاً لكيفية بناء مشروع وطن ودولة.

Email