2012 بين عام مضى وتطلعات مستقبلية

ت + ت - الحجم الطبيعي

عادة ما تكون السنة السابقة على سنة الانتخابات ممهدة لها، وهي بمثابة احتفالات ما قبل المنافسات، سرعان ما تنسى بمجرد بداية اللعبة الحقيقية. ولكن بالعودة إلى الوراء قليلا لعام 2011، فمن الواضح أن اللعبة، التي تتسم بالحيوية والمليئة بالاحتمالات، بدأت خلال هذا العام.

وما كان يجري خارج واشنطن في 2011 كان أكثر أهمية من الأحداث التي يعاد عرضها مرارا وتكرارا. وبالنسبة لمجلة "تايم"، كان 2011 هو عام "الثوار"، الذين اختيروا كشخصية العام، وهو عام العالم الخارجي، وعام الشعب، وعام السلطة العملية. كان عام المقاربة بين الفشل المستمر للمؤسسات السياسية الأميركية والقوى الحيوية القابعة خارج واشنطن، والتي أصبح يستحيل تجاهلها.

ورغم أن حركة "احتلوا وول ستريت" بدأت فقط منذ ثلاثة أشهر، إلا أن استلهام الحركة بدأ في الأيام الأخيرة من عام 2010. وفي 17 ديسمبر من ذلك العام، أضرم بائع الفاكهة التونسي محمد بوعزيزي البالغ من العمر 26 عاماً، النار في نفسه في بلدة سيدي بوزيد التونسية، احتجاجا على المضايقات المستمرة وسوء المعاملة من قبل المسؤولين الحكوميين الفاسدين. احتجاجه الناري، ووفاته بعد 18 يوما، أشعلا شرارة الثورة بعد ذلك.

وبعد أكثر من شهر، تنحى الرئيس المصري حسني مبارك. وفي شهر مايو الماضي احتشد محتجون يطلقون على أنفسهم اسم "لوس إنديغنادوس" (أو الساخطون) في الميادين في جميع أنحاء إسبانيا. وفي غضون شهرين، شارك في الاحتجاجات ما يقدر بستة ملايين إلى 8.5 ملايين شخص. وفي اليونان، احتشد المتظاهرون في ميدان "سينتاغما" في أثينا.

وفي يوم 17 سبتمبر الماضي، تجمّع بضع مئات من الناشطين في حديقة صغيرة في الحي المالي لمدينة نيويورك، المعروف باسم حي "زاكوتي بارك". وبينما كانت تزداد أعدادهم، كان نفوذهم يزداد أيضاً. وانتشرت الحركة خارج الحديقة، إلى أوكلاند وسان فرانسيسكو وأتلانتا وشيكاغو وواشنطن.

الطبيعة الخارجية للحركة تكاد تكون عابرة بالنسبة لنجاحها، وقد وصلت مصداقية أحزابنا السياسية وجميع المؤسسات السياسية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. وأظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث وصدر مؤخراً، استياء قياسيا من المسؤولين في واشنطن، مع مطالبة 67% من الناخبين المسجلين بفقدان معظم أعضاء الكونغرس لوظائفهم. وأظهراستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب"، مؤخراً، أن عدد من يعتقدون أن معظم أعضاء الكونغرس لا يستحقون أن يعاد انتخابهم، وصل إلى نسبة مذهلة تبلغ 76%. ونظراً للسجل الحافل للمسؤولين الأميركيين خلال عام 2011، يبدو من غير المحتمل أن يحمل العام الجديد نقصاً لأسباب الغضب.

وعودة مرة أخرى إلى 2011، ففي الوقت الذي غرقت أميركا في الأزمات والآثار طويلة الأجل لمشكلة البطالة وتدني الأجور والتراجع، تبدو استجابة السلطة الحاكمة غير متناسبة مع المشكلات. كما تظهر الحقيقة الرهيبة، فكل أسبوع يجلب معه أزمة جديدة معقدة تماما، من المستوى المرتفع. و تتبع الصحافة المسار نفسه إلى حد كبير، حيث تركّز اهتمامها دون هوادة على واشنطن في مفاوضات الحياة أو الموت. وبعد ذلك، تأتي صفقة تحقيق الإنجاز على الصفحة الأولى، التي تحافظ أساساً على الوضع القائم، أو التحايل لتحقيق النصر بطريقة أو بأخرى. هل تذكرون كارثة سقف الديون؟ وهي تلك الأزمة التي أبقت على الوضع الراهن في الأساس؟ كانت لدينا مفاوضات حاسمة مؤخراً، بشأن اتفاق ضريبة الرواتب التي ظلّت تتصدر أخبار الصفحة الأولى أسابيع عدة، وكانت النتيجة استمرار الوضع الراهن لمدة شهرين، وتلا ذلك إبرام الاتفاقات مجددا.

وأنا لا أقول إن هذه الاتفاقات غير مهمة كلياً، فقد كان من المهم ألا تنهيها الحكومة، وأن تواصل إعطاء الأشخاص العاملين مزيدا من الأموال في رواتبهم لضخها في الاقتصاد الأميركي، خصوصاً في الوقت الحالي. وهذا هو بيت القصيد، وهو تركيز الاهتمام الكبير على هذا العرض التهريجي المصطنع في واشنطن، في الوقت الذي يتعين أن نركز على المشكلات الحقيقية المتزايدة.

وأحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الأميركي، يسلّط الضوء على بعض هذه المشكلات، المتمثلة في أن ما يقرب من نصف الأميركيين يعيشون إما في حالة فقر مدقع، أو أنهم يصنفون على أنهم من ذوي الدخل المنخفض. وهناك أكثر من 97 مليون أميركي ضمن هذه الفئة الأخيرة، في حين أنه نحو 50 مليون أميركي يعيشون تحت خط الفقر. وهذا العدد الإجمالي الذي يقدربنحو 146 مليون أميركي، يزيد بأربعة ملايين عما كان عليه منذ عامين فقط.

ورغم أن وسائل الإعلام سوف تظل على هامش الاهتمامات، فقد بدأ حوار وطني حول القضايا الواقعية، في نهاية المطاف، يترسخ في أواخر عام 2011. وعلى سبيل المثال، تم استخدام عبارة "عدم المساواة في الدخل" أقل من 91 مرة في وسائل الإعلام، قبل أسبوع من انطلاق حركة "احتلوا وول ستريت"، ولكنها ذكرت ما يقرب من 500 مرة خلال الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر الماضي. وخلال شهر ديسمبر الماضي، أصدر "فريد شابيرو"، وهو أمين مساعد مكتبة في كلية الحقوق في جامعة "يال" الأميركية، قائمته السنوية السادسة لأبرز الاقتباسات السياسية استخداماً خلال عام 2011، وتصدرت القائمة عبارة: "نحن نشكّل نسبة 99%".

ونحن قد استقبلنا السنة الجديدة، وفي الوقت الذي تواصل وسائل الإعلام استغراقها في دوامة واشنطن، علينا أن نتذكر أن ما يجري خارج واشنطن هو القصة الحقيقية.

يقول "ريك ستينغل" في مجلة "تايم" الأميركية: "على امتداد العالم خلال عام 2011، اشتكى الناس من فشل القيادة التقليدية وعدم فاعلية المؤسسات". وأضاف: "لكن القيادة انطلقت من الجزء السفلي للهرم، وليس من القمة". هذه هي قصة العام 2011. دعونا نأمل أن تستمر لتكون قصة عام 2012 أيضاً.

Email