2012 امتداد لما قبله

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتفاضات تنتظم دول أوروبا، واحتجاجات «وول ستريت» في أميركا تتصاعد إلى مستوى ثورة عارمة.. ومع توالي الانهيارات الاقتصادية في دول الغرب يتمدد نفوذ «الاقتصادات الناشئة» ـــ الصين والهند والبرازيل بصفة خاصة ـــ في الأسواق العالمية. وعلى المستويات السياسية يتوسع ويتعزز الوجود السلطوي للجماعات الإسلامية في العالم العربي فينتقل المد الثوري إلى فلسطين مفرزاً انتفاضة عارمة ورصينة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وداخل إسرائيل نفسها تشتعل انتفاضتان على خطين متوازيين: انتفاضة للفئات الشعبية لذوي الدخل المحدود ضد الغلاء والشظف المعيشي.. وانتفاضة شارع ضد حملة اليمين اليهودي المتطرف الرامية إلى فرض الشرائع اليهودية التعصبية على المجتمع الإسرائيلي.

هذه هي الملامح العالمية لعام 2012 كما يراها فريق من المحللين الغربيين. وبذلك ـــ وإذا صحت التوقعات ـــ فإن هذا العام الجديد لن يكون سوى امتداد طبيعي لما جرى في أنحاء العالم خلال عام 2012 المنصرم.

على هذا النحو فإن الانتفاضات المتوقعة في أوروبا والولايات المتحدة يمكن أن تعتبر صدى لنموذج ثورات الربيع العربي ليس فقط من حيث الشكل ـــ أي اعتصامات جماهيرية في ميدان العام مثلاً ـــ وإنما أيضاً من حيث الجوهر.

فالثورة في كلتا الحالتين تتخذ طابع احتجاج قوي على الظلم الاقتصادي الذي يتمثل أكثر مما يتمثل في عدم عدالة توزيع مردود الثروة القومية بما أحدث من فجوة واسعة في الدخول بين شريحة طبقية لا تمثل سوى نحو «1%» من السكان لكنها تمتلك أكثر من «50%» من الثروة القومية وبين جمهرة الطبقات الدنيا ذات الدخل المحدود التي لا تمتلك أكثر من «5%».

من أجل تصحيح هذا الوضع اندلعت احتجاجات شعبية في كل من اليونان وإسبانيا وإيطاليا وبريطانيا متزامنة مع احتجاجات مماثلة في الولايات المتحدة تحت شعار «احتلوا وول ستريت».

إن الفجوة بين الشريحة الطبقية الثرية العليا، سواء في دول أوروبا أو في الولايات المتحدة ليست بالأمر الجديد فهي إفراز طبيعي للخلل البنيوي في نظام اقتصاد السوق الحُر. لكن ما أدى إلى الانفجار الشعبي، أن الحكومات أخذت تفرض إجراءات تقشف كاسحة على الطبقات محدودة الدخل كوسيلة للتخلص من مديونيات تعد بتريليونات الدولارات عوضاً عن فرض ضرائب على كبرى الشركات المملوكة لأصحاب الشريحة بالغة الثراء.

وهكذا فإن عام 2012 لن يأتي إلا بالمزيد تلو المزيد من إجراءات التقشف، ما يؤدي إلى تفاقم المد الثوري الاحتجاجي. على النقيض من هذا الوضع الخطير نجد أن دول الاقتصادات الناهضة خاصة الصين والهند والبرازيل تتمتع باستقرار اقتصادي يترجم إلى معدلات نمو متسارعة، لكن حتى هذه الاقتصادات الصاعدة ستكون معرضة خلال عام 2012 لآثار سالبة في مجال التبادل التجاري مع تدهور الطلب في الدول الصناعية الغربية.

طوال العام الجديد ستكون حكومات الغرب مشغولة بتداعيات الأزمة الاقتصادية، الأمر الذي سوف ينعكس سلباً بطبيعة الحال على جبروتها السياسي على الصعيد الخارجي. فالنفوذ الدولي للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي سوف يتقلص بدرجة ملحوظة، ما سيكون له انعكاسات على منطقة الشرق الأوسط.

فالوهن الأميركي الذي يحد من تدخل الولايات المتحدة سوف يتيح للتنظيمات الإسلامية في العالم العربي فرصة غير متوقعة لتدعيم انتصاراتها الانتخابية في مصر وتونس والمغرب، وقد تمتد الانتصارات إلى دول عربية أخرى. وهذا الوهن الأميركي سوف يحد من ناحية أخرى من رغبة الولايات المتحدة وقدرتها في مساندة إسرائيل دبلوماسياً واقتصادياً خاصة مع التصاعد المتوقع في الفوران الشعبي في الشارع الأميركي.

المشهد الإسرائيلي الداخلي نفسه سيكون له فورانه الخاص به. وقد رأينا بوادر لاندلاع هذا الفوران خلال عام 2011، حيث خرجت للمرة الأولى مظاهرات عارمة من جماهير الطبقة الوسطى تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية وتقليص اعتمادات الإنفاق العسكري لصالح الإنفاق المعيشي على الإسكان والخدمات الصحية والتعليمية.

وعلى صلة بهذا التطور المتوقع، فإن من المؤكد أن يصل مد الربيع الثوري العربي إلى فلسطين.

إن ثمة قناعة شعبية تتبلور حالياً لدى الجماهير الفلسطينية بأن قضية المصير الفلسطيني وصلت إلى طريق مسدود تماماً بما يجعل بقاء السلطة الفلسطينية موضع تساؤل كبير. وسوف تترسخ هذه القناعة في حال فشل جهود المصالحة الوطنية بوصولها أيضاً إلى طريق مسدود.

عند هذه النقطة سوف تنتقل المبادرة السياسية بالكامل إلى الشارع اقتداءً بما جرى ويجري في سياق الربيع الثوري العربي. أجل.. عام 2012 سيكون امتداداً لما قبله. لكن يبدو أننا نعيش الآن إرهاصات عالم جديد يتشكل أمامنا.

Email