تأملات في عام 2011

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا عدنا بناظرينا إلى أحداث عام 2011، فسيمكننا الآن أن ندرك أننا عشنا العام الأكثر أهمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد كان عاماً استيقظت خلاله شعوب العالم، وبدأت تتحكم بمصائرها. واستناداً إلى عدة معايير مهمة، فقد تحسن مصير البشرية.

وبالتأكيد، فإنه بإمكانكم أن تقرروا التفكير في الأزمة النووية في اليابان أو جيري ساندسكاي أو الحكومة الأميركية التي أصابها الجمود أو أزمة الديون الأوروبية. ولكن بدلاً من ذلك، فكروا في هؤلاء النساء المصريات، عشرات الألوف منهن، اللاتي تظاهرن أخيراً بغضب ضد الجيش الذي أساء معاملتهن. كان ذلك أمراً ملهماً، وكانت تلك المرة الأولى التي تدافع فيها النساء المصريات عن أنفسهن بشكل جماعي منذ ما يقرب من 100 عام.

وقد اعتذر الجيش. وكان ذلك يتناغم مع التحسن التدريجي الذي طرأ على مصير النساء في جميع أنحاء العالم. وتشير دراسة حديثة أجراها البنك الدولي إلى أن عدد الفتيات اللاتي يذهبن إلى المدارس الآن يزيد عما كان عليه في أي وقت مضى على امتداد التاريخ. وفي المملكة العربية السعودية، أعلن العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن منح المرأة السعودية حقي التصويت والترشح للمناصب العامة.

ويعرف الجميع أحداث الربيع العربي وسقوط الطغاة في كل من تونس ومصر وليبيا. وقد رأينا أحداثاً مماثلة من قبل، وكان آخرها في أوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي قبل 20 عاماً. غير أن 2011 جلبت لنا أكثر من ذلك بكثير. ويطالب الناس بالتغيير في بيرو وأنغولا وأوغندا ودول أخرى كثيرة. ولا تنسوا حركة «احتلوا وول ستريت». فقد انتشرت هذه الحركة في مختلف أنحاء أميركا وحول العالم. وقد يشكك البعض في فعاليتها، إلا أن هدفها واضح، إذ حان الوقت لأن تبادر الحكومات إلى تحسين مصير الناس العاديين.

ولدى مشاهدة كل ما يحصل، فإن بعض الدول قررت أن تتحرك دون أي حث محدد. ففي هافانا، أعلنت الحكومة الكوبية منذ أيام قليلة عن أن البنوك ستبدأ في تقديم قروض منزلية وأخرى للأعمال الإنشائية، وهي خطوة مهمة أخرى نحو التجارة الحرة في هذه الدولة الشيوعية المقفلة. وعلى مدار السنة، عمد الأخوان كاسترو، انطلاقاً من قراءتهما لرياح التغيير التي تهب في جميع أنحاء العالم، إلى تحرير شعبهما بصورة تدريجية.

وذلك ما يفعله أيضاً حكام بورما. إذ بادرت هذه الدولة المنعزلة، مدركة أنها لن تزدهر دون علاقات تربطها بالغرب، إلى إطلاق سراح المئات من السجناء السياسيين خلال الأسابيع الأخيرة. كما سمحت لأونغ سان سو كي، زعيمة المعارضة الرئيسية في الدولة، بالترشح لمنصب الرئاسة، بعد 20 عاماً من فوز حزبها بسهولة في الانتخابات الوطنية، ليقوم الجيش بإلغائها بعد ذلك.

لا أحد يعرف إلى أي مدى ستصل الحكومة الكوبية أو البورمية بهذه الإجراءات، ولكن في روح اللحظة، تقوم كلتا الدولتين باتخاذ خطوات مشجعة. وساهمت تونس، وهي الدولة الصغيرة والبارزة بالكاد، التي تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط في أفريقيا، في إنارة الطريق للعالم. وقد خلصت المظاهرات السلمية البلاد من دكتاتورها المكروه في يناير الماضي. ثم في أكتوبر أجرت انتخابات حرة ونزيهة. وانتهت الانتخابات بفوز حزب إسلامي ينادي بالاعتدال. ومنذ فترة وجيزة، قدم ذلك الحزب تنازلاً قوياً ومفاجئاً بدا وكأنه يبرهن على تلك النقطة.

حيث دعا الرئيس التونسي المنتخب حديثاً منصف المرزوقي جميع اليهود التونسيين للعودة إلى ديارهم، قائلاً إنهم مواطنون يتمتعون بكامل حقوقهم. وكان معظمهم قد فر بعد الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967.

وفي ديسمبر الجاري، سحبت الولايات المتحدة آخر قواتها من العراق، وتواجه الحكومة العراقية الآن احتمال التفكك. إلا أن العديد من الدراسات الأكاديمية تظهر أن عدد الحروب التي تخاض الآن يقل عما كان عليه في أي وقت آخر تقريباً على امتداد التاريخ الحديث.

وجاءت مفاجأة كبيرة أخرى من الصين قبل أيام قليلة. ففي كل عام، ينظم الشعب الصيني ألوف المظاهرات ضد الحكومة أو الشركات احتجاجاً على التلوث أو سرقة الأراضي أو أية إهانات شخصية أخرى. ولكن منذ فترة وجيزة، قام سكان قرية صيد تدعى «ووكان»، وعددهم 1600 شخص، بالوقوف في وجه حكومتهم، معبرين عن غضبهم إزاء الفساد الرسمي والبيع غير المصرح به لأراضيهم الزراعية للمتعهدين.

وعلى الرغم من أن الاستيلاء على الأراضي أمر شائع في الصين، فإن رد فعل سكان قرية «ووكان» لم يكن كذلك. حيث ألقوا برجال الحكومة والشرطة خارج بلدتهم، ومن ثم أقاموا المتاريس. وبعد أسابيع من الاحتجاجات الغاضبة، اجتمع أحد كبار مسؤولي الحزب الشيوعي الصيني بزعماء القرية الجدد وقدم تنازلات مهمة. واعترف أيضاً بالحكومة الجديدة. ذلك أمر مذهل، وبالنسبة للصينيين، فإن الأمور لن تتوقف عند هذا الحد، بلا شك.

أتمنى لكم عاماً جديداً سعيداً.

Email