المسؤولية الاجتماعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما لو بحثنا عن مصطلح واحد يلخص كل مفاهيم ومعاني التضحية والعمل الاجتماعي والخدمة العامة ويعبر عن حبنا لمجتمعنا وتبرعنا بجزء من وقتنا لخدمته بصورة تطوعية فلن نجد مصطلحاً أكثر إجمالاً من مصطلح المسؤولية الاجتماعية.

فإحساسنا بأننا مسؤولون أمام الله وأمام أنفسنا تجاه قضايا وطنية وعامة تخدم الجميع ويستفيد منها الكل هو الذي يدفعنا إلى التضحية بجزء من وقتنا وراحتنا والسعي من أجل إنجاز تلك المسؤوليات بصورة تامة.

 فالمسؤولية الاجتماعية هي التي تدفعنا إلى العمل التطوعي والى الخدمة العامة والى العمل الخيري والإنساني والى أداء واجباتنا العامة حين لا يوجد حسيب أو رقيب سوى ضمائرنا. هذه المسؤولية هي التي تحركنا لأداء واجباتنا الوطنية والمجتمعية والتي لا نلقى عليها أجراً سوى الإحساس بأننا أدينا خدمة عامة يستفيد منها غيرنا.

ونظراً لما للمسؤولية الاجتماعية من أهمية لذا يأتي غرسها وتعزيزها في نفوس النشء ذا أولوية قصوى وأهمية كبيرة.

فغياب تلك المسؤولية هو المتسبب الأكبر في الانحراف القيمي والاجتماعي الذي يصيب النشء. تقول إحدى السيدات إنها ربت أطفالها على حب العمل داخل المنزل وخارجه وعلى الرغم من ذلك فقد تفاجأت حين أخبرتها ابنتها الكبرى ذات الستة عشر ربيعاً برغبتها بالتطوع للعمل في تنظيف إحدى المدارس وترميمها في منطقة نائية. تقول هذه السيدة سألت ابنتي عن الدافع لهذه الرغبة فأجابت البنت بأنها سوف تحصل على درجات إضافية نظير هذا العمل.

فقالت الأم وماذا لو كان هذا العمل دون حوافز ودون أجر، فردت الصبية «بالطبع لن أذهب». هذا الحوار يجمل لنا شيئاً وهو أنه لو كان الحس الاجتماعي موجوداً ومتبلوراً ربما لتغيرت إجابة تلك الفتاة. إذ تلعب المسؤولية الاجتماعية دوراً مهماً في توجيه جهودنا وتوظيفها التوظيف الأمثل لخدمة المجتمع، وهي ذاتها التي سوف تضع جهودنا المستقبلية في مسارها الصحيح لخدمة هدف سامٍ ونبيل هو المجتمع الذي نعيش فيه.

إن وجود حس المسؤولية الاجتماعية ضروري لحياة كل منا.

فهو الذي يحمينا من تلك الاتكالية واللامبالاة التي تستهدف توحيد جهودنا ووضعها في الإطار الصحيح. فلو كانت المسؤولية الاجتماعية موجودة في كل منا لما رأينا ناخبين وقد تخلفوا عن أداء واجبهم في التوجه نحو صناديق الاقتراع أو الإدلاء بأصواتهم لاختيار مرشحيهم حينما دعاهم داعي الوطن، ولو كانت المسؤولية الاجتماعية موجودة لما رأينا مرتادي البر وقد تركوا أكواماً من المخلفات وراءهم وقد أساؤوا للبيئة ولكل من حولهم، ولو كانت تلك المسؤولية موجودة لما رأينا أناساً قد تخلفوا عن أداء واجباتهم المجتمعية وهدروا الوقت الثمين في مالا يفيد ولا ينفع، ولو كانت المسؤولية الاجتماعية موجودة في كل فرد منا لما اشتكت جمعيات النفع العام من عدم وجود متطوعين جدد يحملون الراية بعد الجيل الأول من المتطوعين، ولو كانت المسؤولية الاجتماعية موجودة لما وصل البعض إلى مرحلة كبيرة من تدني الوعي ومن الإساءة إلى القوانين العامة وكسرها بقصد وعمد في الكثير من الأحيان.

إن تعزيز حس المسؤولية الاجتماعية قضية مهمة للفرد وللمجتمع بأسره، فبدونها لا تنهض المجتمعات ولا تتقدم، وبدونها لا تستطيع الدولة توحيد جهود الأفراد ووضعها في مسارها الصحيح لخدمة أغراض التنمية الشاملة، وبدونها لا تستطيع المجموعة البشرية أن تعمل يداً بيد لرفعة المجتمع وتقدمه ولا تستطيع أن تشترك مشاركة فعالة في صنع القرار الحياتي، فهي الملهم وهي المسير لمشاركة الفرد المجتمعية. ولكن كيف يمكن تعزيز المسؤولية الاجتماعية وتفعيل الحس الاجتماعي ؟ هل بإعطاء النشء حوافز معينة أو بجعل العمل التطوعي إجبارياً في المدارس أو هو دور الأسرة في المقام الأول ؟

الحس الاجتماعي موجود لدى كل فرد وهو الذي سير حياة الأفراد في مجتمعنا قديماً وقد عرف حينذاك تحت عدة مسميات كالفزعة والتكافل وغيرها. ولكن تحول مجتمعنا من مجتمع الكفاف إلى مجتمع الطفرة وتحول العمل الاجتماعي إلى عمل مقنن يندرج تحت مظلة مؤسسات خدمية حكومية أديا بالتدريج إلى انحسار العمل الاجتماعي الفردي واتكال الفرد على المؤسسات الرسمية لتأدية مهام كانت في السابق تقوم بها المجموعة البشرية بصورة تطوعية.

ومع انتقال مجتمعاتنا إلى مجتمعات الرفاهة تقلصت أيضاً حصة الفرد في العمل التطوعي تقلصاً كبيراً فأصبحت تقتصر على إعطاء الفرد بعضاً من ماله للجمعيات الخيرية أما وقته فقد ضنى به إلى درجة الشح والتقشف. كما أن دور الأسرة في إعطاء النشء جرعة من الحس الاجتماعي تقلصت أيضاً، فلم تعد الأسرة تعود أطفالها على العمل الاجتماعي وأهميته في غرس قيم مهمة في نفوس الأبناء.

ومع تعاقب الأجيال تراجعت إلى حد كبير فكرة العمل الجماعي حتى باتت تبدو بالنسبة للأجيال الجديدة كأنها فكرة غريبة عن مجتمعنا وليست من تراثنا وعاداتنا الاجتماعية، وبات الجيل الجديد ينظر للعمل الاجتماعي وكأنه فكرة مستوردة ينتظر عليها حافزاً وعائداً، وأصبحت بعض مدارسنا ومناهجنا الدراسية تشجع الطلاب وتقدم لهم الحوافز لتفعيل الحس الاجتماعي ولجعلهم أكثر تفاعلاً مع احتياجات المجتمع والبيئة التي يعيشون فيها بعد أن أصبحت فكرة المسؤولية الاجتماعية غريبة عنهم.

لذا باتت المسؤولية الاجتماعية غائبة لدى الكثيرين ويجب تفعيلها، إن تفعيل الحس الاجتماعي يبدأ من الأسرة التي يجب أن تعود الطفل منذ نعومة أظافره على أنه يعيش في بيئة اجتماعية تفرض عليه واجبات ومسؤوليات عليه القيام بها دون انتظار أجر أو مكافأة، كما أن على الأسرة أن تعلم الطفل أن يتماهى مع محيطه الاجتماعي متى ما كان هناك داع. مناهجنا الدراسية أيضاً عليها دور كبير في تعليم النشء القيم وتنشئته على تحمل مسؤوليات عدة يأتي على رأسها المسؤولية الاجتماعية ونبذ الاتكالية واللامبالاة ودعم فكرة التكافل والتعاون المجتمعي هي أساس تقدم المجتمعات.

علينا أن نعلم الأجيال الناشئة أن الوطن أمانة وكلنا راع وكلنا مسؤول.

Email