رياح عاتية تهب على فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا شهد المسيحيون المسافرون إلى بيت لحم لعيد الميلاد أي مشاهد عنف، فإن أصابع الاتهام أول ما ستشير، بالتأكيد، إلى متشددين يهود.

الآن، بعد مرور ثلاث سنوات تقريباً على تولي حكومة يمينية زمام الحكم في إسرائيل، يشعر المستوطنون المتطرفون بالجرأة، إلى درجة أنهم راحوا يعيثون في الأرض فساداً وفوضى. في حين يلزم فلسطينيو الضفة الغربية الهدوء، ويهتمون بشؤونهم الخاصة إلى حد كبير، حتى فيما يقوم اللصوص من المستوطنين بسرقتهم مراراً وتكراراً، ويقطعون أشجار زيتونهم.

وفي الضفة الغربية، تعمد السلطة الفلسطينية الآن إلى توظيف قوات شرطة تحظى باحترام واسع النطاق، وهي التي حافظت فعلياً على السلام. وذلك ما ستفعله بالتأكيد في بيت لحم. والتنسيق الأمني بين الشرطة الفلسطينية وقوات الأمن الاسرائيلية هو «أحد الأسباب في أن الإسرائيليين باتوا ينعمون بمثل هذا الوضع الأمني الهادئ في الآونة الأخيرة»، وفقاً لما كتبه رؤوفين بيداتزور، وهو كاتب عمود في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، في الصيف الماضي، قبل أن يصل عنف المستوطنين المتطرفين إلى أوجه.

ولكن في الأيام القليلة الماضية فقط قام أولئك المستوطنون بحرق مسجدين، وبإشعال النار في منازل وسيارات تعود إلى مواطنين فلسطينيين، وبتهديد إسرائيليين يرون أنهم يساريين، وبمهاجمة قاعدة للجيش الاسرائيلي، مما أسفر عن اصابة أحد ضباطها. وهذا التصرف الأخير، أي مهاجمة الجيش الإسرائيلي، أيقظ الحكومة أخيراً من سياستها الواهنة في مواجهة العنف.

ويتسبب هؤلاء المتشددون، الذين يصممون على تحدي أي إنسان يشكك فيما يتصورون أنه حقهم في العيش في الضفة الغربية المحتلة، في إثارة المتاعب منذ خريف عام 2008 على الأقل. وبين حين وآخر، يدلي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ومسؤولون آخرون بتصريحات يدينون فيها ما يحصل. ولكنهم لم يفعلوا شيئاً آخر.

والآن، بادر نتنياهو، على نحو مفاجئ، إلى إعطاء صلاحيات جديدة للجيش لاعتقال أولئك المخربين وتحويلهم إلى الاعتقال الإداري، أي السجن من دون تهمة، وهو عادة ما يكون مخصصاً للفلسطينيين. لماذا الآن فجأة؟ لقد تعهد نتنياهو قائلاً: «أي شخص يضع يده على جنود الجيش الإسرائيلي أو الشرطة الإسرائيلية سيعاقب بشدة». أما كل هؤلاء الضحايا الفلسطينيين والإسرائيليين الليبراليين الذين تعرضوا للتهديد والهجوم من جانب المستوطنين على امتداد السنوات الثلاث الماضية فلا ينطبق ذلك عليهم.

ومنذ فترة وجيزة، أصدرت 20 منظمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية و«هيومن رايتس ووتش»، تقريرا يفيد بأن المستوطنين دمروا مئات المنازل وآبار المياه والمباني الأخرى، فضلاً عن 10 آلاف شجرة زيتون وغيرها من الممتلكات الخاصة بالفلسطينيين، مستظلين بـ«حصانة ظاهرية». وأضاف التقرير أن أكثر من 90 في المئة من الشكاوى التي قدمت إلى الشرطة أنهيت دون اتخاذ أي إجراء.

وفي الأسابيع الأخيرة، جاء أبرز تصرفات الفلسطينيين تشدداً عندما حاول ستة منهم، والصحافيون يلحقون بهم، استقلال حافلة من الضفة الغربية الى القدس، وهو أمر لا يسمح لهم بالقيام به. وقد لقبوا أنفسهم «فرسان الحرية»، تيمناً بركاب الحافلة السود في أميركا الجنوبية خلال حركة الحقوق المدنية التي شهدتها ستينات القرن الماضي.

وقد كشف المتطرفون اليهود عن أول وجود صارخ لهم في سبتمبر من عام 2008، حين قاموا بتفجير قنبلة أنبوبية على الشرفة الأمامية لمنزل زئيف شتيرنهل، وهو أستاذ بالجامعة العبرية كان يجاهر بانتقاد بناء المستوطنات. وعلى أحد جوانب منزله، عمد المتطرفون إلى كتابة شعارهم «الثمن».

منذ ذلك الحين، أصبحت سياسة المتشددين المعلنة تقوم على مهاجمة الفلسطينيين أو الليبراليين الإسرائيليين كوسيلة للانتقام في كل مرة يزيل فيها الجيش موقعاً استيطانياً غير قانوني، أو يتصرف فيها شخص ما في إسرائيل على نحو مناهض لمصالح المستوطنين. ويقيم نحو 350 ألف إسرائيلي في المستوطنات التي تحتل نحو 10 في المئة من الضفة الغربية، وقد سمحت الحكومة الإسرائيلية أخيراً بإنشاء 1028 وحدة استيطانية إضافية.

وبعد اندلاع مئات الهجمات على امتداد عدة سنوات، سمى وزير الحرب الإسرائيلي ايهود باراك الحوادث الأخيرة «إرهاباً ناشئاً في الداخل». وطلب هو ومسؤولون أمنيون آخرون من رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يتم تصنيف المستوطنين المتطرفين على أنهم «إرهابيون». وذلك من شأنه أن يعطي الجيش الإسرائيلي نفوذاً أكبر. ولكن نتنياهو أجاب بالرفض، قائلاً إن العنف كان مجرد «أمر صغير يمكن أن ينمو ليتحول إلى وباء كبير».

وكان قد أوضح بالفعل قلة احترامه للفلسطينيين قبل ذلك ببضعة أيام، عندما أعرب عن تأييده لمشروع قانون من شأنه منع استخدام مكبرات الصوت لرفع الأذان في المساجد الفلسطينية. والمعروف أن 20 % من سكان إسرائيل هم من العرب الفلسطينيين.

وحول مسألة المستوطنين المتطرفين، أشارت صحيفة «فور وورد» اليهودية الأميركية إلى أنها: «لمفارقة محزنة أن عصابات المستوطنين وحلفاءهم» يمارسون الإرهاب ضد الفلسطينيين، على الرغم من أن اليهود أنفسهم عانوا على مدار قرون من «سجل طويل ومرير من الاضطهاد وحافل بالمجازر» وأسوأ من ذلك.

والآن يتوقع لأولئك المسيحيين الذين سيزورون بيت لحم لعيد الميلاد أن يجدوا بعض الإسرائيليين في مزاج سيء. وكما قالت صحيفة معاريف الإسرائيلية: «إن رياحاً عاتية تهب على البلاد».

 

Email