واشنطن وحلّ أزمة حبس الرهن

من الطقوس الشهرية الآن ظهور أرقام وظائف الشهر السابق، ووصفها بأنها «مخيبة للآمال»، وهناك الكثير من القلق والفزع والتصريحات حول كيف أنه «ينبغي حقاً القيام بشيء ما»، وحول مدى أهمية «إعادة أميركا مرة أخرى على مسار التوظيف» بشكل حيوي. هذه المرة لم تكن مختلفة عن سابقاتها، حيث أظهرت أحدث الأرقام أن الاقتصاد الأميركي أضاف 80 ألف وظيفة فقط في شهر أكتوبر الماضي، في حين أن معدل البطالة تراجع بشكل ملموس من 9.1% إلى 9%.

ولكن لا تلوموا رئيس مجلس النواب الأميركي «جون بوينر»، حيث قام خلال ظهوره في التلفزيون، أخيراً، بتسليم مضيفه قائمة من المنشورات المطبوعة على ورق لامع تحوي جميع تشريعات «الوظائف» التي حاول سنها. وهذا أحدث ظهور للمقولة التي انتشرت في واشنطن والتي مفادها أنه عندما يتعلق الأمر بالقيادة والإصلاح، فإن «الشيء المهم هو أن يجدك الناس وأنت تحاول». ولم يترك بوينر أي شيء للصدفة، بل إنه قام بتلميع جهوده!

الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس له منشور مماثل (حتى الآن!) لكنه لديه فرص لالتقاط الصور. ففي سبتمبر الماضي، واقف أمام جسر متهالك ليدافع عن مشروع قانونه الخاص بالوظائف، ثم وقف أمام جسر آخر، قبل قيام الجمهوريين في مجلس الشيوخ بمنع تمرير خطة إنفاق بقيمة 60 مليار دولار لترميم البنى التحتية الفاشلة في أميركا. والمشكلة ليست في القوانين، فهي ضرورية بشكل واضح. بل تكمن في أن الرئيس أوباما ألقى هذه الخطب المصورة في أواخر عام 2011، حيث إن تلك الجسور والألوف مثلها، ظلت تنهار لسنوات، لذلك فهو يمكن رصده في غمار المحاولة أيضاً فيما يشتد وطيس موسم الحملة الانتخابية.

يمكنكم أن تشعروا بحالة من الاستكانة تهيمن على المؤسسة، وهو شعور بحتمية أفق لا نهاية له من معدل بطالة يصل إلى 8% أو 9%. وشعور على هذا النحو، علاوة على حقيقة أن أكثر من 6 ملايين شخص الآن هم عاطلون عن العمل لمدة أكثر من ستة أشهر، هو حالة طبيعية مثل حالة الطقس، وهو الأمر الذي يحدث لنا فحسب ولا نستطيع أن نفعل أي شيء حياله.

ولكن على أرض الواقع فإن هذا المستوى من البطالة لا يحدث لمجرد الحدوث. فالقرارات يتم اتخاذها على أساس منتظم، في بعض الحالات للقيام بأشياء معينة، وفي حالات أخرى ليس من أجل ذلك، من شأنها إطالة أمد الأزمة الاقتصادية. وهناك الكثير من الخطوات التي يمكننا اتخاذها على هذا النحو تتجاوز تجربة المنشورات، وهي الخطوات التي تحظى فعلاً بدعم من كل من كلا طرفي الطيف السياسي، والتي من شأنها أن تسفر عن نتائج إيجابية ملموسة في حياتهم اليومية لملايين الناس.

فالمشكلة هي أننا لدينا نظام منهار، يتعذر خلاله ترجمة الأفكار الجيدة والمعقول في السوق. أفكار يتم اقتراحها وتحصل على الدعم في دوائر السياسة، بل إنها تطرح للنقاش في الكونغرس. ثم بعد ذلك... تموت.

أحد النماذج المثلى على الأفكار المعقولة والتي تلقى الإشادة على نطاق واسع والتي لم تشهد تقدماً رغم ذلك هي قانون الحق في الإيجار.

بموجب هذه الخطة، بعد أن يتم وضع المنزل قيد حبس الرهن، يعطى أصحاب المنازل خيار البقاء فيها ودفع الإيجار العادل في السوق يتم تحديده من قبل مثمن مستقل. وإلى جانب إبقاء الأسر دون إجبارهم على الخروج من منازلهم، فإن ذلك يوقف سلسلة لا تحصى من المشكلات التي تعقب كل حالة منزل يتم حبس رهنه، بما في ذلك حقيقة أن حبس الرهن يخفض قيمة المنازل المجاورة.

وكتب «دين بيكر»، من مركز أبحاث الاقتصاد والسياسة، وهو من طرح الفكرة يقول: «الخطة الخاصة بالانتقال من الملكية إلى الإيجار هي وسيلة بسيطة وزهيدة التكاليف لمساعدة مشتري المساكن ذوي الدخول المتوسطة فهي لا تحتاج أية دولارات من دافعي الضرائب، ولا تؤسس بيروقراطية حكومية جديدة لإدارة سوق الإسكان». وقد أيد الفكرة «أندرو سامويك»، أستاذ الاقتصاد في جامعة «دارتماوث» وكبير الاستشاريين الاقتصاديين في المجلس الاستشاري الاقتصادي في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، فقال: «إذا كانت الحكومة سوف تتدخل في أعقاب هذا الانهيار، فأنا لم أر أفضل من هذا الاقتراح».

ولقيت الفكرة الدعم من قبل صحيفتي «ناشيونال ريفيو» و«نيويورك تايمز» الأميركيتين، ومن سايمون جونسون كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي والأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. ووصف «فيليكس سالمون» بأنه أحد أكبر المناصرين للفكرة، وقد كتب في عام 2009 يقول: «هذه الخطة قد لا تضع منفردة نهاية للركود. لكنها سوف تساعد بالتأكيد».

وفي أبريل الماضي، أعاد تقديم الخطة النائب الديمقراطي عن أريزونا «راؤول غريجالفا» وهو الذي طرح فكرة القانون لأول مرة في عام 2008، قائلاً: «لا ينبغي أن يكون الإسكان قضية مشحونة سياسياً، وهذه مسألة أساسية لإصلاح مشكلة لا نستطيع تجاهلها. ديموقراطيون أو جمهوريون أو مستقلون، فإننا جميعاً هنا في الكونغرس لتمثيل دوائرنا، ولضمان أن الحكومة الفيدرالية تعمل على مصالحها. في الوقت الراهن لا يسعنا أن نتظاهر بأن تلك المصالح تتم رعايتها دون أن نقوم بأي شيء». لا يتم القيام بأي شيء في حين يتم التظاهر بخدمة مصلحة المواطنين، وبعبارة أخرى محاولة التظاهر بأن المحاولة تتم.

في غضون ذلك، تم تنفيذ هذه الفكرة في أيرلندا. فهناك برنامج ريادي سوف يسمح بمشاركة 10 آلاف شخص. وربما يبدو ذلك محدوداً، لكن كما أشار «دين بيكر» فإن ذلك يعادل 700 ألف من أصحاب المنازل في أميركا.

سيكون من الرائع حقاً أن نرى تطبيق الفكرة على نطاق قومي في أميركا، وعلى نحو سريع، لأنه من الواضح أن أزمة حبس الرهن وحالة البؤس التي تجلبها لن تنتهي في أي وقت قريب. ففي عمود يدور حول أزمة السكن، كتب «جو نوسيرا» في صحيفة «نيويورك تايمز يقول إن ما يصل إلى 10 ملايين حالة رهن عقاري من بين 55 مليون حالة في الولايات المتحدة من المرجح أن تتعرض للعجز عن السداد. فهذه الأرقام مدمرة. نحن نعلم أن ذلك سوف يحدث. ونعلم المشكلات التي ستنجم عنه. ونعرف فكرة معقولة جداً من شأنها أن تساعد في تخفيف هذه المشكلات.

إذن فالسؤال المطروح هنا هو: هل سيأخذ قادتنا بدفة القيادة ويحولونها قبل أن نصل إلى جبل الجليد؟

 

الأكثر مشاركة