أميركا والردود الوحشية على المظاهرات

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ فترة وجيزة، وبينما كنت أستمع إلى تقرير من الإذاعة الوطنية الأميركية العامة، حول استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لفض أحد الاحتجاجات، تفاجأت فعلًا حين اتضح أن المذيع كان يتحدث عن ميدان التحرير في القاهرة، فقد افترضت أنه كان يتحدث عن رد وحشي آخر على مظاهرة سلمية هنا في أميركا.

وتشهد جميع أنحاء البلاد حالياً اندلاع حرب، وهي ليست معركة على مواقف السيارات والخيام وأكياس النوم. وعلى الرغم من أن العديد من قادتنا يبدون وكأنهم لا يدركون هذه الحقيقة، إلا أن المعركة تدور حول مصداقيتهم، وحول كيفية تمثيلهم للشعب الأميركي، وحول ولائهم الحقيقي. وقد أثبتت استجابتهم المضللة لاحتجاجات "احتلوا وول ستريت"، وجهة نظر المحتجين على نحو أفضل من أي لافتة أو هتاف.

وكانت حركة "احتلوا وول ستريت" عبارة عن اختبار، أشبه بتصوير وطني بتقنية الرنين المغناطيسي، أتاح لنا التحقق من صحة ديمقراطيتنا، من خلال السماح لنا بإلقاء نظرة على ما يحدث تحت سطح هياكل السلطة الأميركية. وكانت النتائج وخيمة، فالذي أظهرته هذه الحركة، وطريقة الرد عليها، كان عبارة عن حكومة منفصلة بصورة كاملة تقريباً عن مواطنيها الذين تدعي أنها تمثلهم.

وفي جامعة كاليفورنيا ديفيس، قامت الشرطة بهدوء، ومن مسافة قريبة، برش رذاذ الفلفل على وجوه الطلاب، الذين كانوا جالسين مجتمعين ومكتوفي الأيدي. وكما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، فقد كان هناك صوت في فيديو الاعتداء، يصرخ قائلاً: "إنهم أطفال، إنهم أطفال".

وقد كتب جيمس فالوز في مجلة "أتلانتيك" قائلاً: "لو كان هذا الفيديو مصوراً في الصين أو سوريا، لقلنا لأنفسنا هذا ما يحدث عندما تكون السلطة غير خاضعة للمساءلة، وقد فقدت أي نوع من الرابط البشري مع شعبها المقموع".

وقد أظهرت استجابة ليندا كاتيهي، رئيسة جامعة كاليفورنيا ديفيس، الافتقار إلى ذلك الرابط. ففي أول تصريح لها، قالت على نحو يوحي بالسلبية العدوانية: "إننا نأسف بشدة لأن العديد من المتظاهرين لم يبادروا إلى التعاون مع موظفي الجامعة ورجال الشرطة، في إزالة المخيمات على النحو المطلوب". ومن الصعب أن ننظر إلى العدة التي كان يحملها أفراد الشرطة، وأن نعتقد أنهم أناس جاؤوا وهم مستعدون فعلاً "للتعاون مع" الآخرين. لا، إنهم لم يكونوا هناك للتعاون مع أحد، بل لإلحاق الأذى.

وبعد مرور يوم واحد، أدلت كاتيهي بتصريح استخدمت فيه كلمتي "آمن" و"أمان" أربع مرات، وقالت إن تصرف رجال الشرطة كان "مرعباً"، وإن شريط الفيديو "يثير الكثير من التساؤلات".. وهذا صحيح بلا شك. وتثير الواقعة أيضاً إجابة واحدة، وهي أن الحكومات التي تدعي أنها ديمقراطية، لا ينبغي أن تعتدي على مواطنيها باسم الحفاظ على سلامتهم.

وفي اليوم التالي، جاء مثال آخر على التأثير الذي يمكن للصور أن تحدثه. فبينما كانت رئيسة الجامعة كاتيهي تغادر أحد الاجتماعات وتتوجه إلى سيارتها، افترق الطلاب المتظاهرون وهم يتابعونها في صمت مطبق. وحول ذلك كتب فالوز يقول: "إن الصمت القاتل والمنضبط والمشحون بمشاعر الازدراء الذي خيم على المتظاهرين، بينما كانت تسير رئيسة الجامعة ليندا كاتيهي عبرهم متجهة نحو سيارتها، يعد عرضاً قوياً آخر للصور ذات المغزى".

ولا يمكن إنكار أن حركة "احتلوا وول ستريت" أوصلت هذه المعركة إلى الوعي القومي، وهو ليس بالأمر الهين في هذا البلد الذي يحب أن يصرف انتباهه. وقد كتب محمد العريان، الرئيس التنفيذي لشركة "بيمكو"، يقول: "لقد نجحت هذه الحركة الشعبية السلمية في رفع مستوى الوعي حول التفاوت المتنامي في الدخل والثروة، وبصورة أعم، حول نظام يبدو وكأنه يجيد خدمة القليلين من الأثرياء، أكثر من إجادته لتقديم فرص العمل ونمو الدخل للكثيرين". وأشارت مؤسسة "بوليتيكو" إلى أن معدل استخدام مصطلح "التفاوت في الدخل" في وسائل الإعلام، ارتفع من 91 مرة في الأسبوع الذي سبق الاحتجاجات، إلى ما يقرب من 500 مرة في الآونة الأخيرة.

وأضاف العريان إن التحدي الآن، هو الانتقال من انتقاد النظام الحالي إلى بناء نظام ليحل محله. ذلك صحيح، ولكن علينا أن نتذكر أنه حين ألقى الدكتور كينغ خطابه الشهير على درج نصب لنكولن التذكاري، كانت حركة الحقوق المدنية قد اقتربت من عامها العاشر. فالتغيير لن يحدث في لحظة، ولكن كلما استمر المسؤولون الحكوميون في الرد بطريقة تساهم فقط في توضيح النقد الذي تثيره الحركة، فإن التغيير سيحدث بصورة أسرع.

وكتب شيبرد فيري، في تفسير السبب الذي دفعه إلى تحويل ملصق "الأمل" الشهير الذي رسمه، إلى ملصق يناصر حركة "احتلوا وول ستريت"، قائلاً: "من الواضح أن التصويت وحده لا يكفي، إذ أننا نحتاج إلى استخدام جميع أدواتنا لكي تساعدنا على تحقيق أهدافنا ومثلنا العليا. ولكنني أعتقد أن المثالية والواقعية بحاجة إلى أن توجدا بجانب بعضهما بعضاً. ولا يقوم التغيير على جولة انتخابات واحدة، أو تجمع واحد، أو قائد واحد، بل يقوم على التفاني المستمر في التقدم، والدفع المستمر في الاتجاه الصحيح. دعونا نكون من أولئك الأشخاص الذين يفعلون الصواب بصفتهم خارج نطاق السلطة، وفي الوقت ذاته يحثون المسؤولين داخل نطاق السلطة، على فعل الصواب من أجل الشعب".

إن جعل أولئك المسؤولين يدركون أن تصرفاتهم يتعين أن تكون من أجل الشعب، وليس ضد الشعب، ستمثل بداية جيدة.

 

Email