إسرائيل وزخم الربيع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل حقاً تعيش إسرائيل عزلة متنامية في منطقة الشرق الأوسط؟ وما هي مآلات هذه العزلة؟

في الأسبوع الماضي وردت إشارة قوية في هذا الصدد، تؤكد بنغمة تحذيرية، أن الدولة اليهودية تعاني عزلة يتسع نطاقها يوماً بعد يوم.

الإشارة لم ترد على لسان عدو، وإنما جاءت على لسان ممثل كبير للقوة العظمى التي تشكل الشراكة الاستراتيجية المصيرية لإسرائيل. قال ليون بانيتا وزير الدفاع الأميركي، إن الولايات المتحدة "منزعجة" من العزلة المتنامية للدولة الإسرائيلية في المنطقة.

وانطلاقاً من هذا التحذير، حث بانيتا إسرائيل على أن تتخذ مبادرة لترميم علاقاتها "مع أولئك الذين يتشاطرون معها الرغبة في الاستقرار الإقليمي، مثل تركيا ومصر" (على سبيل المثال كما قال).

عبارة "ربيع الثورات العربية" أو ما يماثلها تحديداً، لم ترد على لسان الوزير الأميركي، لكن من الواضح أنه يدرك أن ثمة رياح تغيير تهب على المنطقة، بحيث إنه خلال السنة الأخيرة لم تعد صورة العالم العربي كما ألفتها الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، كان هناك وزير إسرائيلي أكثر وضوحاً، فقد أشار وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك صراحة، إلى نتائج الانتخابات البرلمانية في مصر التي أسفرت عن فوز مرحلي لتنظيم "الإخوان المسلمين" و"حزب النور" السلفي، قائلا إنها "مزعجة جداً جداً" على حد قوله. من ثم قال إنه يأمل أن يحترم البرلمان المصري الجديد معاهدة كامب ديفيد.

لقد شهد العالم خلال فترات متقاربة، سقوط ثلاثة استبداديين عرب، مبارك وزين العابدين والقذافي. ولم تستطع كل من إسرائيل والولايات المتحدة، التغلب على قلق مشوب بدهشة، حتى تواترت أخبار الانتصارات المتتالية لتنظيمات المعارضة الإسلامية. فالفوز الذي حققه "الإخوان المسلمون" في مصر، سبقه فوز حزب "النهضة" في تونس، وتزامن معه فوز "حزب العدالة والتنمية" في المغرب.

من هنا نفهم حالة الانزعاج التي عكسها قول وزير الدفاع الأميركي، وعبر عنها صراحة وصيفه الإسرائيلي. لكن يتعين علينا هنا أن نتنبه إلى أن ما تخشاه كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، ليس تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية إذا ما وصلت التنظيمات الإسلامية إلى السلطة، بقدر ما هو الخشية من التوجه الاستقلالي لهذه المنظمات في رؤيتها للعالم.

لقد تعود الثنائي الأميركي ـ الإسرائيلي، على أنظمة حكم عربية تطبق سياسة خارجية ترسم في واشنطن، وتنطلق من مبدأ حماية أمن الدولة الإسرائيلية.

وأما الآن فإن الأمر بدأ يختلف، فقد صارت منظمات شعبية عربية مؤهلة لتسلم زمام السلطة، وبالتالي فإن توجهات السياسة الخارجية سوف يرسمها الشارع، انطلاقاً من إرادة استقلالية ترفض التبعية.

بالطبع لا يمكن القول في هذه المرحلة المبكرة، إن التغيير الجذري والشامل الذي يبشر به ربيع الثورات العربية قد اكتمل تحقيقه، لكن الكتابة على الجدران بدأت في الظهور. من هنا كان التحذير الأميركي لإسرائيل.

ليس بوسع القيادات الإسرائيلية، بما في ذلك شخصيات اليمين المتطرف، أن تدير ظهرها لتحذير بانيتا (الذي كان في السابق مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية)، وما تقدم به من نصح. فهما تحذير ونصح ينطلقان من موقع صديق، لا من موقع عدو.

 ولكن نصح بانيتا نفسه جاء ناقصا، فقد اقتصر على حث الدولة اليهودية على ترميم علاقاتها مع كل من مصر وتركيا. ومع أن كلا من هاتين الدولتين تتمتع بوزن كبير في المنطقة باعتبارهما قوتين إقليميتين، إلا أنهما لا تمثلان القضية الأساسية موضع النزاع والصراع بين العالم العربي والإسلامي من ناحية، وإسرائيل من ناحية أخرى: قضية الشعب الفلسطيني والاحتلال الاستيطاني اليهودي.

هذا بدوره يقودنا إلى تساؤل: هل بوسع واشنطن أن تذهب إلى ما هو أبعد من النصح النظري، بأن تمارس ضغطاً قوياً على إسرائيل لتحملها على تصفية احتلالها الاستيطاني؟

إن من حقائق العصر الأميركي، أن الطبقة الأميركية الحاكمة رهينة للمنظمات اليهودية ـ الأميركية. والآن تضاف إلى هذه الحقيقة الكبرى حقيقة أخرى، مفادها أن الولايات المتحدة باتت تعيش أزمة اقتصادية عارمة، تهدد نفوذ الطبقة الحاكمة بقدر ما تهدد النفوذ الدولي للولايات المتحدة كقوة عظمى أصيبت بحالة وهن مستعصية.

ربيع الثورات العربية المتنامي، يعتبر إضافة للنضال الفلسطيني من أجل التحرر من الاستعمار الإسرائيلي. لكن متى تندلع انتفاضة فلسطينية لتلتقي مع زخم الربيع العربي؟

 

Email