أربعون عاماً من الإعلام الإماراتي

ت + ت - الحجم الطبيعي

والإمارات تحتفل هذه الأيام بمرور أربعين سنة على اتحادها، نحاول في هذا المقال أن نقف عند المنظومة الإعلامية في هذا البلد، وما أنجزته وما عجزت عن إنجازه، أو بالأحرى نقاط القوة ونقاط الضعف في هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، الذي يعتبر في عصر الصراع على الصورة والرأي العام، الداعم الرئيسي لسياسة الدولة وثوابتها واستراتيجياتها المختلفة وفي جميع المجالات، سواء محلياً أو إقليمياً أو دولياً.

الإعلام هو المؤرخ اليومي لإنجازات الدولة ونشاطها، وهو الموجه الرئيسي لتشكيل الرأي العام محلياً ودولياً. فصورة البلد في الخارج تتشكل من خلال ما يقدمه للآخر إعلام هذا البلد، بمكوناته المختلفة، سواء تعلق الأمر بالإنجازات الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أوالاجتماعية أو الإنسانية... الخ.

 فالحضور الإعلامي إلى جانب النشاطات الثقافية والبعثات الدبلوماسية والمشاركة في المحافل الدولية، كلها عوامل تتداخل في ما بينها لتعطي تلك الصورة عن البلد؛ وإذا كانت هذه الأنشطة غائبة، وهذا الحراك الإعلامي والاتصالي ناقصا، فهذا يعني أن البلد برمته غائب عن الساحة الدولية وعن الحضور في فضاء الصورة والرأي العام الدولي.

تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بعيدها الأربعين وهي تفتخر بإنجازات هائلة في قطاع الإعلام، تتمثل في 15 قناة تلفزيونية، و24 محطة إذاعية، و9 صحف يومية ناطقة باللغة العربية و7 صحف يومية تصدر باللغة الإنجليزية، والمئات من المجلات والمطبوعات الأسبوعية والشهرية والدوريات المتخصصة.

من إنجازات الدولة في القطاع الإعلامي كذلك، مدينة دبي للإعلام، والتي تحتضن أكثر من 850 مؤسسة إعلامية من جميع أنحاء العالم؛ كوكالة رويترز وقناة سي.ان.ان وغيرهما من كبريات المؤسسات الإعلامية العالمية. إضافة إلى ذلك، تمثل مدينة دبي للإنترنت معلما آخر من معالم البنية التحتية المتطورة في مجال الإعلام والاتصال.

والتي تواكب آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا في هذا المجال على المستوى العالمي. كما تتوفر في دولة الإمارات العربية المتحدة أربع مناطق حرة للإعلام، في كل من دبي وأبوظبي والفجيرة ورأس الخيمة. كما تحتضن أشهر وكالات العلاقات العامة الدولية، حيث إنها اتخذت من دبي وأبوظبي مقراً لها لخدمة السوق المحلية والشرق أوسطية والعالمية، في مجال الإعلان والتسويق وصناعة الصورة.

ومن إنجازات الدولة أيضا في مجال الإعلام، إنشاء المجلس الوطني للإعلام الذي يتولى عملية النهوض بالعمل الإعلامي داخليا وخارجيا، من خلال التعريف بمنجزات الدولة في مختلف القطاعات والمجالات، محليا ودوليا. إننا لا نستطيع أن نتكلم عن ازدهار ونمو اقتصادي، من دون إعلام قوي، حيث إن الاقتصاد بحاجة إلى أخبار ومعلومات وإحصاءات وبيانات، وحيث إن المستثمر أيا كان، محليا أو أجنبيا، يحتاج إلى وضوح في الرؤية، وإلى الشفافية ووضوح القوانين والإجراءات التنظيمية.

إن انسياب المعلومات وتدفقها وتوافرها وشفافيتها، تعبر عن البيئة الصحية للاقتصاد والاستثمار والسياحة، والفضاء الأمثل للسياسة والديمقراطية. لقد أصبح الرهان في القرن الحادي والعشرين، يتحدد بالدرجة الأولى بالقدرة على التعاطي والتفاعل مع اقتصاد المعرفة، واستغلال تكنولوجيا الاتصال والإعلام وتوظيفها في التنمية المستدامة.

فالإمارات اليوم تفتخر بوكالة أنباء الإمارات "وام"، وهي الوكالة الوطنية للأنباء، التي تشرف على عملية جمع وتوزيع الأخبار والمعلومات والصور عن إنجازات الدولة في مختلف المجالات، وتزويد دول العالم بها في مختلف القارات باللغة العربية وباللغتين الإنجليزية والفرنسية. فالفضاء الإعلامي الإماراتي اليوم، يساير التطور الذي عرفه الاتحاد في مختلف المجالات.

كما تعكس البنية التحتية الإعلامية والاتصالية المتطورة، والتي أولتها القيادة الحكيمة للدولة اهتماما كبيرا، مدى وعي هذه القيادة بالدور الاستراتيجي للإعلام والاتصال. فالتطور المادي يجب أن يتبعه تطور في مجال صناعة الرأي العام، وصناعة الصورة، وإعطاء الفكرة الحقيقية عن دولة الإمارات وعن المواطن الإماراتي.

إن التطور والنمو والازدهار الاقتصادي، تعكسه أنشطة وأعمال وكالات العلاقات العامة ووكالات الإعلان، التي اتخذت من دبي وأبوظبي مقرا لها. ففي مجال الإعلان تحتل دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثانية على مستوى الوطن العربي، كما تشير إحصاءات انتشار واستخدام الانترنت إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى عربيا ومرتبة متقدمة عالميا.

حيث إنها تنافس دولا كبيرة وعريقة في هذا المجال. وهذا يقودنا للكلام عن استخدام تكنولوجيا الاتصال في مختلف التعاملات التجارية والاقتصادية والخدمية، حيث تجدر الإشارة هنا إلى حكومة دبي الإلكترونية، التي خطت خطوات كبيرة جدا في إنجاز أنشطتها ومعظم معاملاتها عبر الانترنت.

من جهة أخرى؛ تجدر الإشادة بالدور المتميز الذي لعبه الإعلام الإماراتي في المجال الثقافي، وخاصة في مجال المسرح والسينما، وفي المجال الرياضي والمجال السياحي، حيث نلاحظ مواكبة ومتابعة مستفيضة لمختلف الأنشطة والفعاليات وغيرها من المؤتمرات والندوات التي تشهدها البلاد. ونلاحظ كذلك دور الإعلام الإماراتي في نشر ثقافة التسامح والتكامل والتعايش بين أكثر من 180 جنسية، تنعم كلها بالعيش الرغيد وبالأمن والأمان والاستقرار.

لقد استطاعت دولة الإمارات، في فترة لا تتجاوز الأربعة عقود، أن تتفوق في مجال صناعة المؤتمرات، وأن تكون قطبا سياحيا يؤمه السياح من جميع بقاع العالم، كما استطاعت أن تحتل مكانة مرموقة في إعادة التصدير، وفي صناعة الطيران المدني والنقل الجوي...الخ، والقائمة هنا قد تطول والمجال لا يسمح لعرض كل المجالات والإنجازات. والإعلام تفاعل حقيقة مع التنمية المستدامة والإنجازات العديدة التي شهدها الاتحاد.

وبصفته أحد أركان الديمقراطية والممارسة السياسية، لعب الإعلام الإماراتي دورا محوريا في الحراك السياسي، وفي غرس ثقافة الديمقراطية والمشاركة السياسية، والتفاعل الإيجابي بين الحاكم والمحكوم وبين القمة والقاعدة. فالمنظومة الإعلامية تمثل أحد مقومات التنمية المستدامة والاقتصاد القوي، وهي كذلك الدرع الواقي للهوية الوطنية وللمواطن الصالح والمسؤول والملتزم.

لكن، رغم هذا، يجب النظر إلى المستقبل وإلى التحديات التي يواجهها الإعلام الإماراتي، والاستراتيجيات التي يجب أن يتبناها حتى يبقى متألقاً ومواكباً عجلة النمو والتطور والازدهار. ومن أهم التحديات التي يجابهها الإعلام في دولة الإمارات، مشكلة الكادر البشري والتوطين والهوية.

وهنا نلاحظ ضرورة الاهتمام بهذين الموضوعين، نظراً لأن الإعلام هو منتج فكري وأيديولوجي وقيمي، يعكس البعد الوطني لأي بلد. أما بالنسبة للهوية فالإعلام الناجح والفعال، هو الإعلام الذي لا يذوب في إعلام الآخر، أو يجتر ويعيد بث ونشر منتج ما تصنعه الإمبراطوريات الإعلامية العالمية والصناعات الثقافية المختلفة.

فالإعلام أداة استراتيجية لحماية الهوية الوطنية والتعبير عنها، فهو مطالب بالتفاعل الإيجابي مع كل ما هو محلي وأصيل، والتفاعل مع مشكلات وهموم الشارع بكل موضوعية وبكل التزام ومسؤولية وبكل حرية، كما أنه مسؤول على حماية المواطن دينياً وثقافياً وتاريخياً واجتماعياً.

وذلك من خلال تزويده بالمادة الإعلامية والسياسية والثقافية الهادفة، التي تساعده على تكوين نفسه سياسياً واجتماعياً ودينياً، حتى يكون مواطناً صالحاً مسؤولاً، يعرف ما له وما عليه، ويعرف كيف يتفاعل بدراية تامة وبمسؤولية مع ما يصل إليه من منتجات إعلامية وثقافية من جميع أنحاء العالم، خاصة في عصر العولمة وأحادية الطرح والعرض والرؤية.

 

 

Email