الأديب محمد المر والمجلس الوطني

ت + ت - الحجم الطبيعي

شكّلت انطلاقة الفصل التشريعي الجديد للمجلس الوطني الاتحادي، أهمية كبيرة لمسيرة المجلس، خصوصاً وأن الفترة التي انطلق فيها تتواكب مع مرحلة جديدة من عمر اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي نحتفل بمرور أربعين عاماً على تأسيسه. فالمجلس الوطني بهذا التشكيل الجديد، وبعد أن اكتمل نصابه بتعيين النصف الآخر من أعضائه لينضموا إلى زملائهم من الأعضاء المنتخبين، جسّد رؤية قيادتنا الرشيدة في مشروع التمكين السياسي، الذي يعمل على توسيع مشاركة أبناء الشعب الفاعلة والواسعة في العمل السياسي، وترسيخ مفهوم المشاركة والشراكة الوطنية والمجتمعية، خاصة الشراكة بين القيادة والشعب، فضلاً عن تحقيق مفهوم التلاحم المجتمعي والتعاضد الأخوي، بين أعضاء المجلس أنفسهم من جهة، وبين أفراد المجتمع من جهة ثانية.

إن افتتاح صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، دور الانعقاد العادي الأول من الفصل التشريعي الخامس عشر للمجلس الوطني الاتحادي، والذي أكد من خلاله عبارته الخالدة بأن "التمكين روح الاتحاد ورهانه الأكبر"، هو بداية الانطلاقة الحقيقية للمجلس الوطني وأعضائه الذين منحهم شعب الإمارات كل الثقة والتقدير، في سبيل تحقيق الإنجاز المنتظر والمأمول منهم.. أما ما حدث قبل الانتخابات وأثناءها من برامج وحملات انتخابية، فهو مقدمات لاكتمال جاهزية سفينة المجلس، التي ستمخر عباب الحياة السياسية والبرلمانية.

 ولذلك نأمل من أعضاء المجلس المنتخبين والمعينين، أن يعدوا العدة ويتسلحوا بالأمانة والإخلاص والعزم والمثابرة، لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في خدمة قضايا الوطن والمجتمع والشعب.. جاعلين مصلحة الإمارات نصب أعينهم، فهذا هو التحدي والرهان الأكبر، وهم قادرون على فعل الإنجاز.

وفي ذات السياق، تحضرني مسألة مهمة تتعلق بأعضاء المجلس الوطني، فمن المعلوم أن عضوية المجلس الوطني الاتحادي تعتبر وظيفة رسمية نص عليها الدستور للعضو المواطن، ويؤدي من خلالها دوره الوظيفي، وبالتالي يتقاضى عليها راتباً.. حيث تبلغ مدة عضوية المجلس أربع سنوات ميلادية، بناءً على نص المادة الثالثة من التعديل الدستوري رقم (1) لسنة 2009 على المادة (72).. يقضيها العضو في العمل البرلماني، وبعد أن تنتهي هذه المدة المقررة والتي تعرف بالفصل التشريعي، فإنه في هذه الحالة يعتبر في حكم المتقاعد.

وما نود قوله هنا، هو أن أغلبية أعضاء المجلس من الشباب أصحاب الخبرات والكفاءات، الذين سخرت لهم الدولة كل إمكاناتها في سبيل الارتقاء بمهاراتهم وصقل مواهبهم، لذلك نتساءل: هل يعقل أن يبقوا بعد أن تنفض الدورة البرلمانية بلا عمل، بحيث تهدر هذه الكفاءات وتصبح في عداد الخبرات المعطلة؟ إنهم لو وُظفوا في أحد القطاعات العامة أو الخاصة، لاستفاد منهم هذا القطاع أو ذاك، وهو ما ينعكس بالضرورة على التنمية الشاملة والمستدامة للدولة.

صحيح أن بعض الأعضاء على رأس أعمالهم محلياً، إذ إنهم يملكون وظائف في بعض قطاعات ودوائر الحكومات المحلية أو الشركات الخاصة، لكنهم قلة مقارنة بالأغلبية من الأعضاء الذين جاؤوا من قطاعات اتحادية، والتي لا تسمح لهم بالجمع بين وظائفها وبين عضوية المجلس الوطني.

خلاصة القول؛ أننا لسنا مع الجمع بين الوظيفتين، وذلك لما لعضوية المجلس من مهام واستحقاقات وتبعات كبيرة، قد لا يتسنّى للذي يجمع بين وظيفتين أو أكثر إنجازها.. لكننا مع عضو المجلس (المتقاعد)، والذي من المفترض أن يتم تعيينه، بعد انقضاء مهمته البرلمانية، في وظيفة تتناسب مع مؤهلاته العلمية وخبراته العملية، وبالنظر إلى مكانته الاجتماعية أيضاً، أو أن يعود إلى وظيفته السابقة التي كان يشغلها قبل أن ينخرط في العمل البرلماني، خصوصاً إذا كان مستوى الراتب الذي يتقاضاه العضو خلال فترة عضويته وبعدها (أي أثناء التقاعد والذي يصل الراتب عندها إلى النصف)، أقل بكثير مما يتقاضاه في وظيفته السابقة، وهو ما يعبر عنه الكثير من أعضاء المجلس، وهذا من حقهم.

من هذا المنطق، فإننا نأمل أن يعاد النظر في أمر توظيف عضو المجلس (المتقاعد)، حتى يطمئن هذا العضو أو ذاك إلى مستقبله بعد انقضاء مهمته البرلمانية.

في مقالي المنشور بتاريخ 18 يونيو 2011 في جريدة "البيان" تحت عنوان "الأديب والمجلس الوطني الاتحادي"، تطرقت من خلاله إلى استحقاق مهم جداً، وهو عضوية الأديب في المجلس الوطني، وتساءلت عن موقع الأديب في المجلس الوطني الاتحادي طوال مسيرته الزاخرة، وكيف أنه لم يحظ بعضوية المجلس ليمثل الأدباء وينقل طموحاتهم وقضاياهم إلى أصحاب القرار، أسوة بالقطاعات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، حيث طالبت حينها بأن تزخر التشكيلة الجديدة القادمة (أي الحالية) للمجلس، باسم أديب أو اثنين على أقل تقدير، وذلك لتحقيق هدف تعزيز دور الثقافة في المجتمع، وتحفيز التنمية الثقافية في الدولة عموماً. وهو الأمر الذي تحقق بتعيين الأديب محمد أحمد المر في المجلس الوطني عن إمارة دبي، ثم اختياره رئيساً للمجلس الوطني الاتحادي.

إن اختيار الأديب محمد المر كأول أديب إماراتي يرأس المجلس، هو عين الصواب، خصوصا ونحن في مرحلة حضارية تتطلب الحضور الثقافي والفكري والأدبي، لما يمثله هذا الحضور من قوة في ترسيخ مبادئ الدولة وقيمها، وتعميق معاني الولاء والانتماء للوطن وللقيادة الرشيدة، فضلاً عن تعزيز الهوية الوطنية في نفوس أبناء الشعب الإماراتي. كما أن الثقافة اليوم تعد من أهم الركائز الأساسية في عملية البناء والتنمية، والتقدم إلى الأفضل للوطن والمواطن.

لقد جاء اختيار الأديب المر دليلاً أثيراً على أهمية الدور الذي تلعبه الثقافة عموماً والأدب خصوصا في حياة الناس والمجتمع، وهو الأمر الذي تدركه قيادتنا الرشيدة وعملت على تفعيله بشتى الأشكال والأساليب، سواء بإقامة المهرجانات والملتقيات الفكرية والأدبية والثقافية التي تنظمها المؤسسات الحكومية والأهلية في مختلف مناطق الدولة، أو من خلال تعيين الأديب محمد المر في المجلس الوطني، ثم انتخابه رئيسا للمجلس بالتزكية من قِبل أعضاء المجلس، الذين أكدوا من خلال هذا الانتخاب متانة الفكر العميق الذي يتمتعون به، ومدى فهمهم متطلبات المرحلة المتقدمة التي وصلت إليها دولتنا الحبيبة.

لقد تحقق ما كنا نريده ونحلم به، وكلنا أمل في حياة برلمانية إيجابية تسودها روح الاتحاد.. وشعارها العزم والمثابرة والإنجاز، لتكون دولة الإمارات منارة للمجد وراية للعز، وشعلة كونية تضيء فضاء العالم أمماً وشعوباً، داعين إلى أن يسطّر البرلمانيون أروع صور العمل والعطاء، بما يحقق آمال وتطلعات شعب الإمارات في الانطلاق إلى آفاق العالمية الرحبة.

Email