الأبعاد الحقيقية لقمة عباس ـــ مشعل

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعكس ما ذهب إليه بعض السياسيين والمهتمين في الساحة الفلسطينية، الذين قللوا من أهمية لقاء القمة الذي جمع في القاهرة يوم الخميس الرابع والعشرين من الشهر الماضي بين الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي خالد مشعل، أعتقد بأن ذلك اللقاء شكل منعطفاً مهماً وكبيراً في اتجاه صياغة ما يعرف بـ«الربيع الفلسطيني».

هؤلاء يحاكمون نتائج اللقاء استناداً إلى معايير تتصل بالحاجة إلى إعلانات وإجراءات أو قرارات ذات طابع عملي ملموس نحو تحقيق المصالحة، وفق ما جاء في الوثيقة المصرية التي وقعتها كل الفصائل الفلسطينية في الرابع من مايو الماضي، وابتداءً من تشكيل حكومة التكنوقراط وما يتبع ذلك من قضايا.

وربما لذلك سارع وفد ممن يعرف بـ«تجمع المستقلين» إلى القاهرة تحت عنوان دعم المصالحة، لكنهم في الحقيقة اعتقدوا، بأن كعكة الحكومة قد نضجت، وأن عليهم ألا يغيبوا عن المشاورات التي تستهدف تشكيلها. لم يدرك هؤلاء وأولئك طبيعة وهدف اللقاء والنتائج التي خرجت عنه من خلال تصريحات مقتضبة، تركت للمفسرين والمحللين أن يقوموا بسبر أغوارها وأبعادها.

وفي الحقيقة فإن خيبة الأمل لم تقتصر على هؤلاء، بل إن الشارع الفلسطيني هو أيضاً لم يبد اهتماماً، وبقي على تشاؤمه من إمكانية تحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية، خصوصاً وأنه لا التصريحات التي تصدر عن المسؤولين، ولا السلوك العملي على الأرض، يوحيان بأن الأطراف بصدد الانتقال بملف المصالحة إلى حيز العمل والتغيير.

على أن اللقاء ونتائجه، يكتسب مضامين وأبعاداً تتصل بإعادة صياغة المشروع الوطني، والشراكة السياسية، وحركية العلاقة بين أطراف الحركة الوطنية الفلسطينية، وإعادة ترتيب الخيارات، وكل ذلك كأساس لتنفيذ ما ورد في وثيقة المصالحة، ونحو استفادة الوحدة بالقدر الذي تتيحه الظروف المحيطة والتي تتفاعل بقوة مع الوضع الفلسطيني.

منذ أن تم تقديم الورقة المصرية، التي احتوت على مجمل ما تمت مناقشته والاتفاق عليه في الحوارات الجماعية والثنائية، كان من الجلي، أن تلك الوثيقة تفتقر إلى معالجة البرنامج السياسي، والرؤية الاستراتيجية، وهي الإطار الأساسي الذي ينبغي أن تتم على أساسه المصالحة، بما يضمن النجاح في استفادة الوحدة.

في لقاء عباس مشعل، الذي جرى التحضير له بشكل جيد، عبر اتصالات سرية وعلنية بين وفود فتحاوية وحمساوية، تم الاتفاق على ما يمكن اعتباره خارطة طريق، وهي عبارة عن عشر نقاط استرشادية، للبدء تدريجياً بتنفيذ وتطوير المصالحة. ويمكن القول إن اللقاء كسر الحاجز الجليدي بين الطرفين، وسمح بتبديد الشكوك وسوء الفهم والتفاهم، وبدلاً من ذلك، وضع أساساً لبناء الثقة، وأحدث حالة من الفهم والفهم المتبادل، كل لظروف الآخر وتكتيكاته وسلوكه.

كان على حركة حماس أن تدرك أبعاد السياسة التي يقودها الرئيس محمود عباس، وتقييمه لمسار المفاوضات، وتمسكه بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وكان عليها أن تدرك أيضاً الحجم الهائل من التدخلات والضغوط الدولية على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة.

وأن تراعي الالتزامات المترتبة عليها. وكان على الرئيس عباس وحركة فتح أن يدركوا من جانبهم، المتغيرات التي وقعت في الساحتين العربية والإقليمية، وأثرها في حركة حماس، والدروس التي استخرجتها الحركة بما أنها جزء من حركة الإخوان المسلمين، التي تنتظرها مرحلة من الفعالية السياسية التي تفرضها على خارطة النظام السياسي العربي.

حركة حماس بدأت انتقالها من قوة معارضة خارج النظام، ترفض اتفاقيات أوسلو، وما جاءت به، بما في ذلك السلطة بكل عناوينها، وترفض منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، نقول: بدأت انتقالتها منذ أن شاركت في الانتخابات التشريعية عام 2006، وحصلت فيها على نجاح لم يكن متوقعاً. وعملياً، فإن المشاركة في الانتخابات.

ولاحقاً تشكيل حكومة الوحدة برئاسة اسماعيل هنية، ثم انقسام السلطة، وتسلم حركة حماس مقاليدها في قطاع غزة، قد جعل الحركة في قلب العمل السياسي الفلسطيني، لكن من دون شرعية عربية أو دولية، والأهم هو أن ذلك وضعها على أرضية أوسلو، التي كان تشكيل السلطة أهم معالمها.

خلال السنوات الخمس منذ الانقسام الفلسطيني الخطير في يونيو 2007، لم تنجح حركة حماس في الجمع بين السلطة والمقاومة، ولم تنجح في الحصول على الشرعية، وخضع قطاع غزة لحصار شامل صعب، اضطرت معه الحركة، لالتزام التهدئة مع إسرائيل، رغم ارتفاع نبرة الحديث عن خيارات المقاومة.

لقاء القاهرة بين عباس ومشعل، وفر لحركة حماس الفرصة لاستكمال ما بدأته في انتخابات 2006، حيث وافق مشعل على تبني هدف الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967، وهو برنامج منظمة التحرير، ووافق أيضاً على أولوية النضال الشعبي السلمي، مما يعني التراجع عن خيار المقاومة المسلحة كأولوية.

وهذه مسألة مهمة جداً تجعلنا نتوقع سهولة التوصل إلى برنامج سياسي مشترك مع حركة فتح والحركات الأخرى. النقطة الأخرى التي تتعلق بعملية تطور حماس، تتصل بالاتفاق الذي أعلنه الطرفان بشأن انعقاد الهيئة القيادية لمنظمة التحرير التي تضم كافة الأمناء العامين.

بما في ذلك لحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتؤشر إلى بداية انخراط هذه الحركات في منظمة التحرير الفلسطينية، بما يصاحب ذلك ويتبعه من خطوات، وردت في اتفاق المصالحة بشأن إصلاح وتطوير المنظمة وانخراط أطراف العمل الوطني والإسلامي فيها.

هذه التطورات عملياً تسمح بالقول إن حركة حماس قطعت شوطاً في إعادة صياغة خطابها وبرنامجها السياسي ودورها، فهي سياسياً تتبنى برنامج المنظمة، وتضع العنف جانباً، وتعمل على أرضية ومن داخل مكونات النظام السياسي الفلسطيني الشرعي.

ودخولها في المنظمة يعفيها من شرط الاعتراف بإسرائيل، أسوة ببقية الفصائل، بما في ذلك فتح، التي لم يكن وليس مطلوباً منها الاعتراف بإسرائيل، طالما أن المنظمة هي من عليها وقد فعلت ذلك. ونستطيع القول، إن إجراء الانتخابات في الرابع من مايو 2012، سيشكل الخطوة الإجرائية الأهم على تحقيق الشراكة في إطار السلطة، وانتخابات المجلس الوطني بدورها ستشكل الإجراء الأهم لاستكمال الشراكة.

 

 

Email