دولة جنوب السودان والأجندة الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل تقوم الولايات المتحدة بتحريض دولة جنوب السودان لإشعال حرب ضد دولة السودان؟

قبل أقل من أسبوعين صدر تصريح غريب الصياغة، عن الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية، قال فيه إن واشنطن لا تعارض أي مسعى لإسقاط النظام الحاكم في السودان، بالوسائل السلمية وليس عن طريق العنف المسلح. كان الناطق يشير إلى تحالف عقدته «الحركة الشعبية» الجنوبية مع ثلاث حركات دارفورية، بهدف القيام بعمل مسلح للإطاحة بالنظام في الخرطوم.

المغزى الأميركي لا يخفى. فكأن إدارة الرئيس أوباما تريد أن تنفي بطريقة إيحائية غير مباشرة، بأنها هي الجهة الخارجية التي تتولى إمداد قوات «الحركة الشعبية» بالسلاح عن طريق حكومة جنوب السودان.

فور انفصال جنوب السودان وقيام دولة مستقلة هناك منذ يوليو الماضي، ابتدرت قوتان مسلحتان حربين في منطقتين محاذيتين للحدود مع دولة السودان - جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان - علماً بأن هاتين المنطقتين تقعان داخل الرقعة الجغرافية الأرضية للشمال السوداني.

هنا ثمة أمر بحاجة إلى توضيح. فالقوتان القتاليتان تتبعان الحركة الشعبية الجنوبية وتقاتلان باسمها.. رغم أن كلا منهما تطلق على نفسها «الحركة الشعبية لقطاع الشمال». لكن هذه اللعبة اللفظية لا تنفي حقيقة أن الحركة الشعبية هي التنظيم الحاكم في دولة جنوب السودان، وأن قواتها هي القوات نفسها التي قاتلت السودان الشمالي على مدى ما يقارب ربع قرن، قبل عقد اتفاق سلام في عام 2005، هو الذي مهّد لانفصال الجنوب عند نهاية المطاف.

طوال سنين الحرب الطويلة منذ عام 1983، ظلت الولايات المتحدة السند الأكبر للحركة الشعبية على صعيد التمويل وإمدادات السلاح، وأيضاً على صعيد الدعم الدبلوماسي على المستوى الدولي.

لماذا؟ وما هو الهدف الاستراتيجي الأميركي؟ وهل انتهى التورط الأميركي بعد انفصال الجنوب وإنشاء الدولة الجنوبية المستقلة؟

لاستبيان الإجابة عن هذه التساؤلات، علينا أن نعيد إلى الأذهان أنه بينما يمثل الجنوب كتلة بشرية غير عربية وغير مسلمة، فإن أهل الشمال ينتمون إلى الحضارة العربية الإسلامية. ولم تكن الحركة الشعبية منذ نشوئها بزعامة جون قرنق، تخفي أجندتها الاستراتيجية. كانت الحركة بقيادة قرنق تقدم طرحاً وحدوياً عندما يكون خطابها موجهاً إلى أهل الشمال، لكن عندما يكون الخطاب موجهاً إلى الخارج، سواء على المستوى الإقليمي الإفريقي أو المستوى العالمي، فإن قرنق كان يعلن بصريح العبارة أن الهدف الأعظم للحركة هو طمس الهوية العربية الإسلامية للشمال، عن طريق فصم السودان الموحد عن محيطه العربي والإسلامي.

كان هذا هو الدور الذي عهدت به الولايات المتحدة إلى قيادة الحركة الشعبية. ولنتساءل الآن: هل تغير هذا الدور بعد انفصال الجنوب؟ لقد تغير «التكتيك» دون أن يتغير الجوهر الاستراتيجي.

هنا علينا أن نرجع للوراء قليلاً. فمفاوضات السلام بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية، التي انتهت إلى اتفاقية نيفاشا، جرت وفق ترتيبات أميركية، وكأن واشنطن كانت محامي الدفاع عن الحركة. وتحت إصرار أميركي، أدرج نص يمنح أهل الجنوب ممارسة حق تقرير المصير، بما في ذلك حق خيار الانفصال.

كانت الولايات المتحدة تحتاط لاحتمال فشل المخطط الرامي إلى مسخ الهوية العربية الإسلامية داخل الكيان الوحدوي بين الشمال والجنوب، ففي هذه الحالة يكون الخيار الأفضل هو فصل الجنوب.

لكن قيام الدولة الجنوبية المستقلة لا ينبغي، من منظور واشنطن، أن يحدث تغييراً جوهرياً في الرؤية الأميركية. فالدور المرسوم الآن للدولة الجنوبية، هو أن تكون قاعدة أميركية - إسرائيلية لزعزعة استقرار دولة الشمال العربي الإسلامي، بشتى الوسائل، بما في ذلك تجديد الحرب ضد الشمال. هذا هو مغزى الحرب التي شنتها قوات الحركة الشعبية في منطقتي جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان. لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فمن المؤكد أن الأجندة الأميركية تتضمن تحريض ومساعدة حكومة الحركة الشعبية في جوبا، على إشعال حرب شاملة بهدف استنزاف الشمال اقتصادياً.

والسؤال الذي يطرح أخيراً هو: هل دولة الحركة الشعبية على استعداد لشن مثل هذه الحرب، بينما هي تواجه في عقر دارها تمردات قبلية مسلحة؟

كاتب صحافي سوداني

Email