أميركا والسباق الرئاسي المقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أمضيت عطلة نهاية الأسبوع أثناء العاصفة الجليدية الكبرى التي شهدتها أميركا، في مدينة نيو هافن، وذلك بمناسبة عطلة نهاية الاسبوع المخصصة للآباء. وعلى الرغم من حالة الجو، فقد استمتعت بوقتي إلى حد كبير، إذ أتيحت لي الفرصة لقضاء بعض الوقت، ليس مع ابنتي فحسب، وإنما أيضاً مع اثنين من أساتذتي المفضلين، وهما ديفيد برومويتش وجون جيناكوبلوس، وما زلت أعجز عن نسيان موضوعين ناقشناهما.

وكان أحد الموضوعين هو فقرة من كتاب "رجال الثقة" بقلم رون سوسكيند، والتي يتساءل فيها بول فولكر عما إذا كان الرئيس الأميركي باراك أوباما وفريقه الاقتصادي جادين حقاً في ما يخص الأزمة المالية، وجاء في الفقرة: "يقولون إنهم مستعدون لذلك، ولكنهم لا يبدون حماساً كافياً". وهذه الفجوة بين القول والفعل، بين النوايا المعلنة والأفعال الضئيلة للغاية، دفعت فولكر إلى التفكير في عبارة كان يعرف أن (لورانس) سامرز استخدمها في بعض الأحيان، كما أخبره بعض الناس، وهي: "إن الشيء المهم هو أن يرى المرء وهو يحاول".

هل هناك وصف أفضل لعقلية الكثير من القادة السياسيين الأميركيين في هذه اللحظة من تاريخ أميركا؟

هناك، بالطبع، عشرات الطرق التي يمكن من خلالها تصوير البؤس الذي يعاني منه الملايين في أميركا بصورة يومية، إلا أن الإحصاءات التي أخبرني بها البروفيسور جيناكوبلوس، كان لها وقع أكبر عندما اقترنت بعبارة سامرز، إذ ذكر أنه بحلول نهاية العام الجاري، سيصل عدد المنازل التي ستكون قد استرجعت ملكيتها منذ عام 2008، إلى نحو 4 ملايين منزل، وهو العدد الذي من الممكن أن يتضاعف قبل انتهاء الأزمة.

عندما نتأثر بما يكفي للتحرك، فسنتمكن حينها من الاستفادة من قدر مذهل من البراعة والإبداع. ولكن بدلا من التعاطف، فقد بات ملحوظاً كم أصبحت لهجة خطابنا السياسي تقوم على العقوبة. وعوضاً عن مساعدة الأشخاص الذين يعانون من جراء هذه الأزمة المالية، فإن هناك شريحة كبيرة تؤمن الآن بأنهم استحقوا ما حل بهم.

وقد تحدث هرمان كين بصراحة بالغة، في مقابلة له مع صحيفة "وول ستريت جورنال"، حيث قال: "إذا لم تكن لديك وظيفة ولم تكن غنياً، فلُمْ نفسك، فالمرء لا يلام إذا كان ناجحاً، ولكنه يلام إذا فشل".

وقد عمدت إليزابيث وارن، في أحد الأيام الأولى من حملتها الانتخابية، إلى شجب ذلك المفهوم، إذ قالت: "لا أحد في هذا البلد أصبح غنياً من تلقاء نفسه.. لا أحد. إن كنت قمت ببناء مصنع في مكان ما، فهنيئاً لك. ولكن دعني أكن واضحة: لقد نقلت بضائعك إلى السوق على الطرق التي دفع بقيتنا ثمنها، ووظفت عمالاً دفع بقيتنا ثمن تعليمهم، وكنت تنعم بالأمان في مصنعك بفضل قوات الشرطة والإطفاء التي دفع بقيتنا ثمن أتعابها".

وحين كنت أتجاذب أطراف الحديث مع جون جيناكوبلوس، تحدث بحماس عن أهمية مساعدة الملايين من أصحاب المنازل التي تدنت أسعارها عن قيمة الرهن العقاري بالنسبة لأميركا. ولتفسير ذلك، عمد إلى الاستشهاد بما كتبه الاقتصادي العظيم وليام شكسبير في مسرحية "تاجر البندقية"، حين قال: "على الرغم من أنك تطالب بالعدالة، ولكن ينبغي لك أن تتذكر أنه في سياق العدالة، لن يجد أي منا الخلاص. إننا نصلي من أجل الرحمة، وهذه الصلاة نفسها هي ما يعلمنا كيف نرحم".

والرحمة هي أمر جيد بالنسبة إلى من يحصل عليها، ولمن يمنحها على حد سواء. وهذه الفكرة، بطبيعة الحال، لم يبتدعها شكسبير، فهي تعود إلى الكتب السماوية.

وعلى الرغم من أن الأمر استغرق وقتاً طويلاً ومكلفاً للغاية، فقد كشف البيت الأبيض أخيرا عن جملة "لا يمكننا الانتظار"، معلناً عن سلسلة من الإجراءات التي سيتم اتخاذها من جانب واحد، بهدف تجاوز عراقيل الكونغرس. ثم أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما عن إحداث تغيير في برنامج "إعادة تمويل المنازل بأسعار معقولة"، من شأنه أن يساعد عدداً أكبر من الأميركيين على إعادة تمويل قروض منازلهم.

ولكن، على الرغم من أن هذا التعديل يمثل أمراً مرحباً به، غير أنه لا يضاهي حجم المشكلة التي نواجهها. فعندما انطلق البرنامج في عام 2009، كان الهدف منه إنقاذ ما يصل إلى 5 ملايين شخص من حبس الرهن. ولكن عدد الأشخاص الذين أنقذهم حتى يومنا هذا، يقل عن 900 ألف شخص.

والأهم من ذلك أن الجهة المنظمة المسؤولة عن شركتي "فاني ماي" و"فريدي ماك"، اللتين تسيطران على أكثر من 70 في المئة من القروض العقارية الأميركية، لا تزال ترفض السماح لأصحاب المنازل التي تدنت أسعارها عن قيمة الرهن العقاري، بتخفيض قيمة القرض، حتى مع ازدياد عدد البنوك وشركات التأمين العقاري الخاصة التي سمحت ببعض الإعفاء من الديون.

لذا يبقى السؤال: هل ستحدث مبادرات الرئيس الأميركي الجديدة فرقاً حقيقياً، أم ستكون مجرد علامة تتيح للبيت الأبيض أن يرى وهو يحاول؟

ولا تعد النبرة العقابية المتزايدة في نقاشاتنا الوطنية، خالية من الإنسانية فحسب، بل إنها تقوض أيضاً ما يجب القيام به لتغيير مسار الاقتصاد لمصلحة الجميع، بما في ذلك الـ1 في المئة.

وبينما نقترب من ذروة سباق عام 2012، فينبغي ألا ننسى الهوة بين محاولة المرء الحقيقية لتحسين الأمور، وبين مجرد محاولته لأن يرى وهو يحاول.

 

Email