7457

تراثنا هويتنا

تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة باليوم الوطني الأربعين للاتحاد، وبهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا، فإننا جميعاً وبكل أطيافنا وفئاتنا وأجناسنا المجتمعية نحتفل معها.. سعداء وفرحين بهذا الإنجاز العظيم الذي تحقق على يد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في الثاني من ديسمبر عام 1971، وبمساندة من إخوانه الشيوخ حكام الإمارات الذين لم يدّخروا جهداً فذللوا جميع الصعاب، وبالتالي أوجدوا اتحاداً فريداً من نوعه، بل قلما نجد له مثيلاً في التاريخ الحديث، حيث إن دول وشعوب العالم اليوم تنظر إلى هذا الإنجاز العظيم بتقدير وإعجاب وانبهار.. وذلك لما حققه هذا الكيان الفريد من منجزات كبيرة في فترة زمنية قياسية. لقد قدمت دولة الإمارات للعالم أجمع أنموذجاً اتحادياً براقاً، يحتذى به في جميع المجالات الحضارية والإنسانية.

إن هذا الوطن الذي نراه اليوم في أبهى حُلة وأروع صورة، قام على سواعد آبائنا وأجدادنا الذين بذلوا كل ما في وسعهم من جهود خلاقة في سبيل نهضته ورفعته وتقدمه، لقد امتزجت دماؤهم وأرواحهم بتراب الوطن وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من جسد الوطن وكيانه، كانوا ينظرون إلى حاضرهم ومستقبلهم بعين الوطن وبصيرة المحب المخلص والمتفاني لهذا الوطن، ولذلك قبضوا على ناصية الحقيقة، حقيقة الوطن التي غابت عن كثير من الناس فضاعوا وضيّعوا.. لقد أيقنوا بأن الوطن هو الإنسان والإنسان هو الوطن.

اليوم ونحن نحتفل بالعيد الوطني الأربعين للاتحاد، نستذكر ما قدمه لنا هؤلاء الآباء والأجداد من منجزات، وما تركوه لنا من كنوز إماراتية خالصة، والمتمثلة في القيم والمبادئ والعادات والتقاليد والموروثات الثقافية والاجتماعية والإنسانية.. تلك التي أسهمت في تشكيل شخصياتهم الفذة، ومكّنتهم من التصالح مع ذواتهم وبالتالي القبض على الحقيقة.

وما نتمناه اليوم خلال هذه الاحتفالات الوطنية وبعدها، أن نعود قليلاً بشريط الذاكرة إلى الوراء، لنسترجع بعضاً من عبق الماضي الأصيل لنتعايش معه ونستنشق هواءه النقي، وبالتالي نستلهم منه معاني الولاء والانتماء للوطن وللقيادة الرشيدة، ونعزز من خلاله هويتنا الوطنية في وجداننا ووجدان أجيالنا الجديدة.

إن مظاهر الحياة في هذا العصر قد تشعّبت وكثرت فيها اهتماماتنا، ودخلت التكنولوجيا علينا كل مدخل، حتى أنها سيطرت على جزء الجزء من حيواتنا، الأمر الذي قلل من منسوب اهتمامنا بموروثاتنا الثقافية الوطنية، والتي نعتبرها بمثابة صمام الأمان الذي يحفظ هويتنا الوطنية من الضياع أو التلاشي، خصوصاً في عصر تعولم فيه كل شيء. كون أجيال اليوم نشأت في كنف التكنولوجيا وتشرّبت ثقافة جديدة، وهي ثقافة الدول المنتجة للتكنولوجيا، وكما قال البروفيسور التونسي محمد طاهر منصوري «إن التجارة اليوم ليست عابرة للقارات فحسب، وإنما عابرة للثقافات أيضاً».

وتأسيساً على ما تقدم، فإن الفرصة اليوم مواتية خلال احتفالاتنا بالعيد الوطني الأربعين لدولة الإمارات الحبيبة، إذ يتوجب على كل مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية والخاصة، ومن دون استثناء، استلهام رؤية القيادة الرشيدة في مجال تعزيز الهوية الوطنية في نفوس أبناء الشعب.

ونشر معاني الولاء والانتماء للوطن ولقياداته بينهم، وذلك من خلال إقامة الفعاليات التراثية والثقافية الجديرة بالمتابعة الخلاقة، والتي تحقق الهدف المنشود منها،لا أن تقام هذه الفعالية أو تلك من أجل المناسبة وكفى المؤمنين شر القتال، إذ لا بد لنا من أن نسلك الطرق الصحيحة والكفيلة بتحقيق النجاح، ومن أهم هذه السُبل: مخاطبة الأجيال بلغة العصر، أي لغة التكنولوجيا التي يفترض علينا أن نطوعها حسب ما نراه لخدمة أهدافنا الوطنية في كافة المجالات.

خصوصاً الثقافية والاجتماعية والإنسانية منها. كما أن تنوع الفعاليات من ناحية الشكل والمحتوى والنوع، مطلوب في هذه المرحلة الحضارية، أي أن لا يطغى جنس تراثي على آخر، كما هو حاصل اليوم. فضلاً عن تصوير هذه الفعاليات كأفلام وثائقية وتسجيلها كبرامج إذاعية، ومن ثمّ بثها عبر القنوات الفضائية والإذاعات المحلية بشكل مستمر. وأخيراً؛ أن تجعل هذه المؤسسات رؤية القيادة في تعزيز الهوية الوطنية ضمن استراتيجيتها العامة، أي لا تكتفي بتفعيل نشاطاتها الوطنية أثناء المناسبات فقط.

حفظ الله قائد الوطن وصانع إنجازاته صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وإخوانه أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكّام الإمارات.. وكل عام وإمارات الخير قيادة وحكومة وشعباً، بخير وسلام.

 

الأكثر مشاركة