هل من ربيع للإعلام العربي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل هي ثورات؟ أم تظاهرات؟ أم انتفاضات؟ وهل سقوط الأنظمة يعني تغييرات جذرية على مستوى النظام السياسي والاقتصادي والإعلامي، أم أن الأمر معقد وأكبر من هروب وتنحي وقتل رؤساء وزعماء دول؟ هل سيفرز الربيع العربي إعلاماً جديداً يستجيب لطموحات الشارع العربي ومطالبه؟ هل سيعلن الإعلام العربي عن مرحلة جديدة يطلب فيها الطلاق من البلاط والسلطة والتملق والتسبيح والتمجيد؟

هل التعددية الإعلامية تعني ديمقراطية الإعلام وحرية الصحافة وصحافة الاستقصاء والكشف عن المستور ومراقبة السلطات الثلاث في المجتمع؟

هناك دول عربية انتقلت فيها المنظومة الإعلامية من الأحادية إلى التعددية وجاءت الصحف المستقلة والفضائيات الخاصة لكن دار لقمان بقيت على حالها، وبقي النظام الإعلامي يدور في فلك السلطة أو تيارات أو تحالفات داخل السلطة، وبارونات المال على حساب الحقيقة والشفافية والكشف عن المستور.

تساءل الكثيرون خلال الشهور الماضية عن دور المثقف والقائم بالاتصال والمؤسسات الإعلامية العربية حول الأحداث والتطورات التي تشهدها عديد الدول العربية. كيف تناول الإعلام ثورات الشباب وتظاهراتهم ومسيراتهم ومطالبهم. فرغم ما حدث من تغييرات على مستوى السلطة، نلاحظ استمرار ثقافة التعتيم والتضليل في قاعات التحرير وفي كواليس صناعة الأخبار.

ما زال الخطاب الإعلامي العربي في معظمه وفياً لعادات وتقاليد تكرس التسبيح والتمجيد وتتجنب الاستقصاء والبحث عن الحقيقة والكشف عن المستور. تلعب المؤسسة الإعلامية دوراً محورياً في عملية البناء والتوعية والمساهمة في التغيير والتشييد والتنمية الشاملة وكشف الحقائق والتجاوزات والأمراض الاجتماعية والفساد وتبذير المال العام والأخطاء المختلفة التي تشل العمل الهادف والناجح.

من جهة أخرى قد تكون المنظومة الإعلامية عالة على المجتمع إذا انتهجت التلميع والتملق و«التطبيل» و«الزغردة» وبذلك تقدم للرأي العام وضعاً مفبركاً مخالفاً تماماً للواقع وهذا النوع من الإعلام هو النوع السلبي الذي لا يغيّر الأمور ولا يساهم في صناعة الأحداث وعادة ما ينكشف وضعه عندما تتأزم المشكلات بعد فوات الأوان، وكم من صحافي تمّلق ولمّع وزخرف وجاءت الأيام لتكشفه وتكشف أكاذيبه وقصصه البعيدة عن الواقع.

الثورات بحاجة إلى إعلام مسؤول ونزيه يؤمن بالرسالة الشريفة وبالمصلحة العامة، كما يؤمن بأنه متغير محوري في المعادلة الديمقراطية وفي التنشئة الاجتماعية وفي توعية الفرد في المجتمع ليكون مسؤولاً وصالحاً وواعياً بحقوقه وواجباته. إن التغيير يحتاج إلى إعلام يؤمن بالتغيير ويريد التغيير، كما يحتاج التغيير إلى مجتمع مدني يعمل من أجل التغيير لتحقيق المصلحة العامة.

هل يمكننا القول ان الثورات أو الانتفاضات أو الحركات العربية جاءت من دون عمق فكري وأيديولوجي ونظرية لضمان مرحلة ما بعد سقوط النظام. صحيح سقط النظام، لكن ماذا بعد؟ وهذا هو التحدي الكبير الذي تواجهه كل مؤسسات المجتمع، التحدي الذي يواجهه الشعب برمته وبمختلف أطيافه والذي تواجهه المنظومة الإعلامية.

عدد العناوين الصحافية الجديدة التي ظهرت بعد سقوط النظام في تونس تجاوز المائة، وعدد الأحزاب السياسية كذلك تخطى المائة. كيف نقرأ هذه الأرقام ؟ هل هي ظاهرة صحية؟ أم نسميها فوضى؟ أم ماذا؟

الهم الوحيد لإعلام التلميع والتملق هو إرضاء المسؤول بكل الطرق والوسائل، المسؤولية هنا غائبة تماماً والرأي العام والقارئ لا يساوي شيئاً بالنسبة للقائم بالاتصال، والصالح العام والضمير المهني والأخلاقي لا وجود لهما على الإطلاق.

ويقوم الصحافي في هذه المعادلة بعملية تزييف وتضليل وتشويه منتظمة، مستمرة وبطريقة آلية. مع مرور الزمن تنحصر مهمته في تلميع السلطة وتقديمها للرأي العام في أحسن صورة.وهكذا يصبح الصحافي والمؤسسة الإعلامية بعيدين كل البعد عن المشاكل الحقيقية التي يتخبط فيها المواطن ويصبح التركيز هنا على الشكليات بدلاً من القضايا الجوهرية والمصيرية في المجتمع.

هل من رسالة يؤديها الصحافي في المجتمع؟ هل من مبادئ يؤمن بها ويعمل من أجل تطبيقها؟ هل من حقيقة يبحث عنها ويتعب من أجل الوصول إليها ويخاطر ليلاً نهاراً لإيصالها للقارئ الذي يُعتبر رأسماله؟ هل الهدف هو كشف أمراض المجتمع ومشاكله؟ أم الهدف هو التملق والتلميع والتقارير المزخرفة والملونة لإرضاء المسؤول ولو بالكذب والتضليل والتزييف والتعتيم؟

هذه التساؤلات تظهر تافهة لا محل لها من الإعراب في قاموس الصحافة المسؤولة والفاعلة وقاموس السلطة الرابعة، لكن في الواقع العربي ما زالت تُطرح ويجب علينا أن نطرحها باستمرار وبجدية وبحدة لأكثر من سبب. أول هذه الأسباب هو أن معظم المؤسسات الإعلامية في العالم العربي ما زالت لم ترق إلى مستوى المؤسسة الإعلامية الاجتماعية المسؤولة والمدركة للدور الذي يجب أن تلعبه في المجتمع، والسبب الثاني يتمثل في الموجة الجديدة التي ركبتها العديد من الفضائيات العربية والتي أفرزت نوعاً جديداً من الإعلام وهو إعلام التسطيح والتبسيط والتهميش والإثارة والغرابة والخروج عن النسيج القيمي والأخلاقي للمجتمع.

إعلام التلميع هو إعلام تبسيط الأمور والتلاعب بالرأي العام والتضليل وكل ما يتناقض مع أخلاقيات المهنة الشريفة والعمل النزيه، المهم هنا هو الحماس والصراع والإثارة وليس التحليل والنقاش البناء واحترام الرأي الآخر والحوار الهادف والبناء. صحافة التلميع والتملق لا تساير ولا تجاري الواقع وإنما تبحث عن تبرير الواقع وتلميع صورة الحاكم والنظام.

هل سينتهي عصر إعلام التلميع والتملق بانتهاء وانهيار الأنظمة الاستبدادية الفاسدة؟ هل أصبحت أيام صحافة البلاط معدودة؟ أم أنها ما زالت تُعمر مهما حدث وما زال يحدث من ثورات الشباب. فالمنطق يقول إن الإعلام هو الذي يغير الأنظمة ويجند الرأي العام والمجتمع المدني ليثور وينتفض ويطالب بالتغيير.

في العالم العربي، الشارع هو الذي غيّر الأنظمة وأرغم الطغاة على التنحي من سدة الحكم والمؤسسات الإعلامية تتفرج والبعض منها ركب الموجة لتبني الثورة والتغيير. والسؤال الذي يفرض نفسه بعد مرور شهور على الثورات الشعبية العربية هو أين هو الإعلام العربي وما هو دوره بعد سقوط الأنظمة؟ ماذا قدم وماذا سيقدم الإعلام العربي لمرحلة ما بعد الثورة؟

ما هي استراتيجيته وما هي مساهمته في بناء مجتمع الشباب، مجتمع التناوب على السلطة والحكم الرشيد والشفافية والديمقراطية؛ مجتمع يؤمن بنظام حكم جديد يقوم على الشفافية والحوار والنقاش وثقافة الرأي والرأي الآخر وثقافة المجتمع المدني والمشاركة السياسية المسؤولة والفاعلة في المجتمع.

هل سيتبنى الإعلام العربي الثورات الشعبية ومبدأ التغيير وسيغير بذلك من ممارسته وآليات عمله؟ أم أنه سيبقى وفياً لعاداته ولطريقة عمله التي تعودنا عليها منذ خمسينات القرن الماضي. الفرصة تعتبر مواتية للإعلام العربي ليعيش ربيعه ويدشن مرحلة جديدة تتميز بالالتزام والمسؤولية والإيمان بخدمة الحقيقة والمصلحة العامة لا غير.

 

Email